تيسير أصول الفقه للمبتدئين
تيسير أصول الفقه للمبتدئين
Nau'ikan
الواجب المخير والمرتب
الواجب على التخيير: هو أن الله جل وعلا يأمر بأمر حتمي لا بد أن يفعل، أو: طلب الفعل على وجه اللزوم، لكنه خير العبد -مثلًا- بين فعل الثلاثة أو الخمسة أو الستة، فيختار منها ما يشاء، ويلزمه واحدًا من هذه المخير بينها، فإن لم يفعل واحدًا منها فهو آثم، فإن فعل واحدًا سقط عنه الباقي.
مثال ذلك: كفارة اليمين، قال الله جل وعلا: ﴿لا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمُ الأَيْمَانَ فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ﴾ [المائدة:٨٩]، (أو) هنا للتخيير، فهنا يجب على المرء أن يكفر عن يمينه، لكنه مخير بين ثلاث: إطعام عشرة مساكين، أو كسوتهم، أو تحرير رقبة.
وأيضًا فدية الأذى في الحج: فلو أن رجلًا حصل له أذى في رأسه، فإن الله جل وعلا يقول: ﴿وَلا تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ بِهِ أَذًى مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ﴾ [البقرة:١٩٦]، وكعب بن عجرة جاء إلى النبي ﷺ والقمل ينزل على وجهه، فقال له النبي ﷺ: (ما كنت أرى أن يبلغ بك الجهد ما بلغ، اذبح شاة، فقال: ما عندي، فقال: أطعم ستة مساكين، أو صم ثلاثة أيام) وقد اختلف العلماء -وهذه مسألة فقهية بعيدة- هل هي على الترتيب، أم على التخيير؟ والصحيح والراجح: أنها على التخيير؛ لأن النبي ﷺ ذكر ذبح الشاة أولًا.
وقال مالك: هي على الترتيب ثم التخيير، أي: يرتب أصالة بالذبح، ثم يخير بين الصيام أو إطعام ستة مساكين، لكن نحن نقول: الآية واضحة كالشمس: قال الله تعالى: ﴿فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ﴾ [البقرة:١٩٦]، فهو مخير بين الثلاث، ولا بد أن يفعل واحدة من ذلك.
ونضرب مثلًا ونطبقه: رجل في الحج أتعبه شعره، وزاد القمل في رأسه، فأراد أن يحلقه، فقال: الله خيرني، فحلق شعره ولم يفعل شيئًا من الثلاثة، فيعاقب ويأثم، لأنه ترك واجبًا وخالف أمر النبي ﷺ.
مثال آخر: رجل سمع المؤذن يقيم الصلاة، فقال الرجل: إمام هذا المسجد يستعجل في الصلاة، فذهب وتوضأ وأتى بالواجبات فقط: فغسل يديه، ثم غسل رجله، ثم مسح رأسه، ثم ذهب ليصلي، فهنا وضوءه ليس صحيحًا؛ لأن الترتيب في الوضوء واجب وهو لم يرتب، والترتيب الذي رتبه الله جل وعلا: غسل الوجه، ثم اليدين، ثم مسح الرأس، ثم غسل الرجلين، فإن كان عالمًا يأثم بمخالفته للواجب، وصلاته غير صحيحة، فهذا التطبيق دقة النظر في الفقه وأصول الفقه، حتى نتعلم منها كيف نطبق.
إذًا: إذا كان على التخيير فلا بد أن يفعل واحدة، وإن كان على الترتيب لزمه أن يفعل نفس الترتيب الذي أمر به، فكفارة اليمين على التخيير: إطعام عشرة مساكين أو كسوتهم أو تحرير رقبة، وكفارة القتل الخطأ على الترتيب، قال تعالى: ﴿فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ﴾ [النساء:٩٢]، فالصيام جاء على الترتيب، فأصبح واجبًا على الترتيب، وليس على التخيير.
1 / 14