" أيام التشريق أيام أكل وشرب، وذكر الله تعالى "
، وقال البخارى عن ابن عمر أنه كان يكبر بمنى تلك الأيام وخلف الصلوات وعلى فراشه، وفى فسطاطة وفى مجلسه وفى ممشاه فى تلك الأيام جميعا، يعنى يوم النحر وثلاثة الأيام بعده، المرادة عندنا فى قوله تعالى { فى أيام معدودة } جمع يوم، معدود مع أنه مذكر لأن لفظ معدود أكثر من ثلاثة أحرف لغير عاقل فجاز جمعه بألف وتاء، وذلك التكبير وسائر الذكر فى تلك الأيام مستحبان عندنا وعند أبى حنيفة إلا عند ذبح القرابين، فعنده وجب التكبير، وعندنا يستحب، ويحتاج إلى الجمع بين الحقيقة والمجاز فى الأمر أو عموم المجاز، والمراد بالأيام ما يشمل الليالى، وعن أبن أبى ليلى الأيام يوم النحر ويومان بعده قيل وهو وهم، ونسب لعمر وعلى، والمشهور عنهما، وهو قول ابن عباس، أن الأيام يوم وثلاثة بعده، وعن ابن عباس وابن عمر والحسن وعطاء ومجاهد وقتادة الثلاثة بعد النحر، قلت لا يلزم الوهم، ولعله خص مزيد التأكيد فى ذلك بالحج، والواجب عند القائلين به فى الحج، وهم الظاهرية، والواجب ما عدا اليوم الرابع بالعيد، ولا يخفى استحباب الذكر فى الأيام الثلاثة ويوم النحر قبلها فى الحج وغير الحج { فمن تعجل } النفر أو بالنفر أو عن منى { فى يومين } يوم القر واليوم بعده، والقر والقرار هو عدم النفر، ولا بد منه فى اليوم بعد العيد، فأضيف للقر، وأما النفر بفاء سكانة فهو الذهاب، يضاف إليه اليوم الثانى والثالث، فنقول يوم النفر الأول ويوم النفر الثانى لجواز أن ينفر فى اليوم الثانى أو فى الثالث، ولا قر بعد الثالث ويسمى اليوم بعد العبد يوم الرءوس لأنه تؤكل فيه رءوس الضحايا، ونسب التعجل لليومين مع أنه فى الثانى فقط تنزيلا لهما بمنزلة اليوم الواحد، لأنه لا بد منهما وهو حكم على المجموع، أو يقدر مضاف، أى تعجل فى ثانى يومين، والتعجل فيهما صالح للتعجل قبل تمام اليوم الثانى وهو المراد، والظرفية لا تصلح لهما فى ليلة الثالث، فمن دخلت عليه ليلة الثالث لزمه البقاء إلى الزوال، فيرمى قبله أو بعده، وذلك أنه من نفر فى ليلة الثالث لا يصدق عيه أنه نفر فى اليومين، وذلك مذهبنا ومذهب الشافعى وقال أبو حنيفة له النفر، ما لم يطلع فجر الثالث ومذهب الشافعية، وقال أبو حنيفة له النفر، ما لم يطلع فجر الثالث وإن طلع فيه لزمه اللبث إلى الزوال فيرمى، وعن أبى حنيفة له الرمى قبل الزوال فيه وفى اليومين قبله، وعنه لا يجوز إلا بعد الزوال، وكذا عن الشافعى، وقيل من لم ينفر قبل زوال اليوم الثانى لزمه اللبث إلى الثالث فيرمى { فلآ إثم عليه } كما يزعم بعض الجاهلية، ويجوز الوجهان بلا إثم والثانى أعظم أجرا لزيادة الرمى والذكر { لمن اتقى } أى ذلك لمن اتقى الله فى حجه، وهو الذى ينتفع بحجه ولو كان أيضا لغيره، أو ذلك لأجل المتقى ليصان عن ترك الواجب لو وجب الثلاثة { واتقوا الله } فى الحج وغيره { واعلموا أنكم إليه } لا إلى غيره، ولو كان إلى غيره لأمكنكم الإنكار والإخفاء ونفعكم { تحشرون } للجزاء على مثاقيل الذر.
[2.204]
{ ومن الناس من يعجبك قوله فى الحيوة الدنيا } أى يعجبك ما ينطق به فى شأن أمور الدنيا من حرب، وصلح، وكسب، وعفو، أو لأجل الدنيا، بأن يظهر الإيمان والحب ليتوصل إلى ما يحب من لذات الدنيا، أو يعجبك فى الدنيا كلامه حلاوة وفصاحة، وأما فى الآخرة فلا كلام له ألبتة تارة، ولا يؤذن لهم، فيعتذرون وإذا تكلموا تارة فكلام دهشة لا فصاحة، ولا يعجبك فى الآخرة لأنه لا نفع له به، والخطاب له صلى الله عليه وسلم، أو لمن يصلح له مطلقا، ومثل ذلك قوله تعالى عز وجل
وإذا رأيتهم تعجبك أجسامهم
[المنافقون: 4] ويعجبك الخ. يحدث قوله فى قلبك عجبا، والعجب حيرة تعرض بسبب الجهل بما تعجب منه وقد يستعمل العجب فى حيرة تعرض مع العلم بالسبب، والعجب هنا عبارة عما يلزم من عظمة الإنسان فى قلب غيره، وفى متعلق بيعجبك أو بقوله على ما رأيت، من التفسير { ويشهد الله على ما فى قلبه } يستشهده أو يجعله شاهدا على أن قلبه مواطىء لقوله فى الإيمان وهو كاذب فى دعواه { وهو ألد الخصام } شديد الخصومة وهو صفة مشبهة فيما قيل، وشهر، واحتج له بورود مؤنثه على فعلاء كحمراء إن صح، والراجح أنه اسم تفضيل باق أو خارج عنه، لأن الصفة المشبهة التى على وزن أفعل تختص بالألوان والعيوب ونحوها، ولا يصح أن يقال فى أعلم وأفضل إنهما صفتان مشبهتان، وهو قول الخليل والزجاج، وإضافة اسم التفضيل لفاعله معنى جائزة، ويجوز تقدير، وهو ألد ذوى الخصام، أو خصامه ألد الخصام، أو الضمير للخصام، وهو ضعيف، أو الخصام جمع خصام كصعب وصعاب، أى أشد من كل من يخاصم، وهو يخاصم المسلمين خصاما شديدا أعظم من يخاصمهم فى الخصام، والشديد الخصام أو صاحبه، فيقدر فى، أى ألد الخصام، والآية فى المنافقين كقوله تعالى:
وإذا رأيتهم تعجبك أجسامهم
[المنافقون: 4] وكانوا حسنى المنظر، والكلام فى الإسلام والتحبب إلى أهله، فذكر الله حسن كلامهم وحسن أجسادهم هنالك، والإفراد للجنس، ولفظ من، والمشهور الأخنس بن شريق وكان منهم كذلك، وزعم بعضهم أنه أسلم عام الفتح وحسن إسلامه، ويعارضه قوله فحسبه جهنم، واسمه أبى، ولقب الأخنس، لأنه خنس بقومه أى تأخر عنه صلى الله عليه وسلم بثلاثمائة رجل بعد خروجهم لبدر، وقال إن كان غالبا فهو ابن أختكم وأنتم أسعد به، وإن غلب كفيتموه، وكان يحلف بالله أنه مؤمن محب لرسول الله صلى الله عليه وسلم؛ قدم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فى المدينة وأظهر له الإسلام، وأعجب النبى صلى الله عليه وسلم ذلك منه، وقال إنما جئت أريد الإسلام والله تعالى يعلم أنى لصادق، فكان صلى الله عليه وسلم يدينه إليه فى المجلس فكذبه الله وفضحه.
[2.205]
{ وإذا تولى } ذهب عنكم وعن المسلمين أو صار واليا، والأول أولى لأن الحال الواقعة، وتتكرر ايضا هى ذهابهم أو ذهابه لا الولاية { سعى فى الأرض } أسرع أو ذهب مجتهدا بقلبه { ليفسد فيها ويهلك الحرث والنسل } ذلك فى الأخنس واضح، وأما فى المنافقين عموما فلإرادة الجنس بمن، وعراعاة لفظها، ولأنه منهم والإفساد فى الأرض على العموم كقوله تعالى
Shafi da ba'a sani ba