{ ولن ترضى عنك اليهود ولا النصارى حتى تتبع ملتهم } أفرد الملة مع تعددها، لأن مللهم كلها كفر، والكفر ملة، وسميت ملة، لأن الشيطان أملها عليهم، أو أهواؤهم وأنفسهم، كما أن دين الله عز وجل أمله جبريل للنبى صلى الله عليه وسلم، قالوا له صلى الله عليه وسلم، لن نرضى عنك حتى تتبع ديننا وملتنا، فإنه الهدى، فأنزل الله عليه، وهو فى اللوح المحفوظ سابق، وأعلمه أن الأمر كما قالوا لا يرضون عنك إقناطا له عنهم، إذ اتباعه ملتهم فى غاية البعد التى لا غاية بعدها، كان يلاطفهم طمعا فى إيمانهم حتى نزلت، وعلمه أن يرد عليهم فى قوله { قل إن هدى الله } وهو دين الإسلام { هو الهدى } تحقيقا إلى الحق، لا ملتكم ولا غيرها، من كل ما خالفه، فأيسوا بعد ما كانوا يرجونه، { ولئن اتبعت } والله لئن اتبعت { أهواءهم } أى ملتهم التى ادعوها دينا، ومقتضى الظاهر، ولئن اتبعتها أى الملة، وعبر عنها بالأهواء ليصرح بأنها مجرد اتباع للنفس { بعد الذي جاءك من العلم } هو العلم والمراد الحقيقة، أو بعض العلم { مالك من الله من ولي } بلى أمرك، يحفظك من العذاب من أول { ولا نصير } يدفعه عنك إن جاءك، لا ولى ولا ناصر إلا الله، فإذا لم يجئك ولى من عنده ولا نصير هلكت، أو مالك ولى ولا نصير من عذاب الله.
[2.121]
{ الذين } خبره أولئك يؤمنون به { ءاتينهم الكتب } الإنجيل والتوراة، وقيل المراد، المؤمنون والقرآن { يتلونه } أى القرآن، والجملة حال، أى مقدرا بفتح الدال، لهم أن يتلوه { حق تلاوته } لا يغيرون لفظه ولا معناه، ولا يزيدون ولا ينقصون، ويعملون به، ويتفكرون فى معانيه، ويكلون متشابهه إلى الله، وذلك هو قراءته حق قراءته، وأما قراءته بإخلال ذلك أو بعضه فكلا قراءة، أو يتلونه يلونه بتلك الحقوق، وهم عبدالله بن سلام ونحوه من أهل المدينة وغيرها من علماء أهل الكتاب العاملين به، واثنان وثلاثون من الحبشة، وثمانية رهابين من أهل الشام، منهم بحيرا الراهب، ودخلوا الحبشة ورجعوا مع الاثنين والثلاثين منها مع جعفر رضى الله عنه وأصحابه فى سفينة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإنما جعلت يتلونه حالا مقدرة لأنهم حال إيتاء الكتاب ليسوا يتلون القرآن حق تلاوته، بل بعد { أولئك يؤمنون به } بالكتاب، أو بالله، لا إله إلا الله، أو الذين الأنبياء، والكتاب الجنس، وإنما قلت، والتوراة، لأن من آمن بالإنجيل تحقيقا حتى آمن بالقرآن لا يكفر بها، ولا يجوز أن يراد علماء أهل الكتاب مطلقا كقوله
الذين آتيناهم الكتاب يعرفونه
[البقرة: 146]... الآية، لأنه ليس كل من عرفه يتلوه حق تلاوته { ومن يكفر به } بالكتاب، التوراة والإنجيل، بأن يحرفه بزيادة أو نقص، أو كتم، أو تفسير بما ليس حقا، وقيل القرآن كما هو { فأولئك هم الخسرون } إذ بدلوا الضلال بالهدى، والنار بالجنة. وهذا لعمومه أولى من التفسير بأخذ الرشا على الدين.
[2.122]
{ يبني إسراءيل اذكروا نعمتي التي أنعمت عليكم وأني فضلتكم على العالمين } على زمانكم ومن قبلكم ومن بعدكم، إلا هذه الأمة، فإنها أفضل الأمم على الإطلال، لقوله
كنتم خير أمة أخرجت للناس
[آل عمران: 100] ولا تكون خير أمة إلا لمن خير الرسل، صدر قصتهم بهذا، وختمها به تأكيدا لتذكر النعم، أو للتحذير من إضاعتها.
[2.123]
Shafi da ba'a sani ba