{ ولن يتمنوه أبدا بما قدمت أيديهم } من تحريف التوراة وسائر معاصيهم، والكفر بمحمد صلى الله عليه وسلم، والقرآن لعلمهم أنه على الحق، فتخونوا من عقاب الآخرة على إنكاره، ومن لم يعتقد منهم نبوءته فما قدمت يده عنده هو غير إنكاره صلى الله عليه وسلم { والله عليم بالظلمين } الجاحدين، والآية إخبار بالغيب إذ لم يقدروا أن يتمنوا، ودلالة على نبوته صلى الله عليه وسلم، وأنه لم يوقنوا لتمنوا، ولا سيما إذ قلنا التمنى هنا التلفظ، فلم يقدروا أن يتلفظوا بالتمنى، ولو مع خلو قلوبهم منه، ولو قوع لنقل، ولو تمنوا لماتوا فى موضعهم بالريق، كما روى عن ابن عباس موقوفا، وروى عنه مرفوعا، وفى رواية عنه مرفوعا " لو أن اليهود تمنوا الموت لماتوا " وعنه موقوفا ما بقى على وجه ا لأرض يهودى إلا مات.
[2.96-97]
{ ولتجدنهم } الخطاب لرسول الله صلى الله عليه وسلم، أو لمن يصلح، وكذا فى جميع القرآن بحسب الإمكان، والأول أولى، والهاء لليهود المخاطبين، ويلتحق بهم اليهود الباقون وقيل للجنس { أحرص الناس على حيوة } نوع من الحياة، وهو المتطاولة لقوله تعالى: { يود أحدهم لو يعمر ألف سنة } والآية تدل أن لغيرهم أيضا حرصا على الحياة الطويلة إلا أنهم أحرص، لأن أحرص اسم تفضيل، فإن الحرص على الحياة فى طباع المؤمن وغيره، وفى الحديث القدسى:
" إن المؤمن يكره الموت وأنا أكره مساءته "
وأيضا، قد يحرص المؤمن على الحياة ليكثر العبادة، إلا أنه ليس ذلك منه مذموما، وقد يحمل الحديث عليه { ومن الذين أشركوا } المجوس وعبدة الأصنام من العرب وكانت المجوس يقولون للعاطس، أحرص الناس من الناس، أى من سائرهم، أو يقدر أحرص من الذين اشركوا، أو يقدر، ومن الذين أشركوا أناس يود أحدهم، وعلى الوجهين الأولين يكون يود... إلخ مستأنفا، أو حالا من الذين، أو واو أشركوا، أو من الهاء، وذكرهم مع دخولهم فى الناس زيادة فى التوبيخ لهم، بأنهم مع إقرارهم بالبعث والحساب أشد حرصا ممن يعبد الصنم وينكر البعث، وبين حرص اليهود بقوله { يود أحدهم } أى أحد اليهود، ليس واحدا خاصا، ولكن تمثيل بالواحد، كأنه معين مخصوص مشاهد { لو يعمر ألف سنة } أى يود تعميره ألف سنة، والنصب على الظرفية، أو لو حرف تمن، محكيا مع ما بعده بيود، لتضمين معنى القول، أو لو شرطية، جوابها لسره ذلك، والألف هى تمثيل للكثرة، لا خصوص هذا العدد، أو بين حرصهم بقوله: { ومن الذين أشركوا } إلخ، على أن يراد بالذين أشركوا اليهود تصريحا بشركهم، وجاء الظاره فى موضع الضمير لذلك على معنى، ومن المشركين ناس يود.. إلخ، فيود... إلخ نعت لمبتدأ محذوف على هذا { وما هو } أى أحدهم { بمزحزحه } مبعده، خبر ما والياء صلة أصله زحح، أبدلت الحاء المدغم فيها من جنس الفاء بوزن فعل بشد العين، وقيل: كررت الفاء، فوزنه فعقل { من } أى من { العذاب } بالنار وغيرها من حين يموت إلى ما ينتهى { أن يعمر } تعميره ألف سنة، فاعل مزحزح، كقولك ما زيد قائما أبوه { والله بصير } عليم { بما يعملون } كله، يعذبهم على كل صغير وكبير.
قال عبدالله بن صوريا، حبر من اليهود، للنبى صلى الله عليه وسلم: أى ملك يأتيك من السماء؟ قال: جبريل، قال: هو عدونا، ينزل بالعذاب، والشدة والخسف، عادانا مرارا، لو كان ميكائيل لآمنا بك.
وقيل: سأل عبدالله بن صوريا عمر: من يأتى محمدا من السماء؟ فقال: جبريل، فقال: هو عدونا... إلخ، وقيل: كان لعمر أرض بأعلى المدينة، ويمر على اليهود فى مدارسهم، ويجلس إليهم ويسألهم ويسمع كلامهم، فقالوا: ما فى أصحاب محمد أحب إلينا منك، وإنا نطمع فيك، فقال: والله ما آتيكم لحبى لكم، ولا لأنى شاك فى دينى، بل لأزداد بصيرة فى أمر محمد صلى الله عليه وسلم، وأرى أثره فى كتابكم، فقالوا: من يأتيه من السماء؟ قال: جبريل، قالوا: هو عدونا، يطلع محمدا على سرنا، وهو صاحب عذاب وخسف وشدة، وأن ميكائيل يأتى بالخصب والسلامة، ولو كان يأتيه هو لآمنا، وأن محمدا رسول الله، وأن بين جبريل وميكائيل عداوة.
وقال عمر: أشهد أنهم سلم، ومع الله سلم، ومن عادى جبريل فهو حرب لله ولميكائيل، ولأنتم أكفر من الحمير، أى أجهل.
وقيل: سألهم عمر عن جبريل، فقالوا: يأتى بالشر، ولو كان يأتى محمدا ميكائيل لآمنا به، وعن عبدالله بن صوريا عادانا مرارا، أشدها أن نبينا بعث من يقتل بخثت نصر، وهو طفل ، لأنه يخرب من بيت المقدس، فرده، فقال: إن قضى الله خرابه لم تقتلوه، وإلا فلم تقتلونه، فرجع، فكبر بخت نصر، فخربه وعلى كل حال نزل فى ذلك قوله تعالى:
{ قل } لهم { من كان عدوا لجبريل } الخ، وجبريل علم عجمى، وزعم بعضهم أنه علم عربى مركب من جبروت الله، وفيه: أنه لو كان كذلك لورد فيه وجهان آخران: البناء وإضافة الجزء الأول للثانى، كنظائره، قال صلى الله عليه وسلم لعمر رضى الله عنه، وقد سبقه الوحى: لقد وافقتك ربك يا عمر، قال عمر: لقد كنت بعد ذلك أصلب من الحديد، والمعنى: من كان عدوا لجبريل لمجيئه بالعذاب والقرآن الفاضح لهم فهو عدو لله، لأنه هو الذى أرسله، أو فليمت غيظا، أو فلا وجه لعداوته وجه، أنه نزله على قلبك، كقولك: إن عاداك فقد آذيته أمس، وناب عن الجواب علته، وهو قوله { فإنه } أى، لأن جبريل أو الشأن أو الله، لأنه { نزله } أى القرآن المستتر فى نزل لجبريل، أو الله عز وجل { على قلبك } مقتضى الظاهر على قلبى، لقوله قل، لكن قال:على قلبك، لأن المعنى قل ذلك، لأنه نزل على قلبك، وقيل: التقدير، قال الله: من كان... إلخ، ولم يقل على أو عليك، تصريحا بالقلب الذى هو محل النزول، وبيت لوحى الله، والفهم والحفظ، ولا يجوز أن يكون فإنه... إلخ تعليل لما قبله، ويقدر الجوبا، فليمت غيظا، أو فالله عدوه، لأن فاء التعليل عاطفة على جملة، ولا يصح العطف على كان عدوا لجبريل، ولو صح معنى قولك لأنه نزله... إلخ { بإذن الله } بأمره، فى صورة القول وتيسيره فى صورة الفعل، وأصل الإذن الإباحة والعلاقة اللزوم { مصدقا } حال من هاء نزله العائدة إلى جبريل أو إلى القرآن، أو من ضمير نزل { لما بين يديه } من كتب الله، والتوراة وغيرها، والموجود هو ما بين اليدين، وأما ما سيوجد فهو مفقود، لا يصح أنه موجود بين اليدين، ويصح بمعنى أنه مستقبل { وهدى } من الوقوف لعدم العلم، ومن العمل بغير علم، وكذا فى غير هذا المحل { وبشرى } بالجنة، ذا هدى وتبشير، أو هاديا ومبشرا، أو مبالغة { للمؤمنين }.
Shafi da ba'a sani ba