398

Tayyasar Tafsiri

تيسير التفسير

Nau'ikan

{ قد خسر } منازل فى الجنة وأزواجا والأنفس بمنازل فى النار { الذين كذبوا بلقاء الله } بالبعث والجزاء على أن لقاء الله استعارة تمثيلية عن البعث وما بعده، وقدر بعض مضافا أى بلقاء جزاء الله { حتى إذا جاءتهم الساعة } القيامة لأن الموت مبدؤها وباب لها، قال صلى الله عليه وسلم:

" من مات فقد قامت قيامته "

وحتى غاية التكذيب ولو كانت ابتدائية كما مر بيانه، ولا يخفى أن التكذيب ينقطع بالموت فليسوا باقين فى التكذيب حتى يبعثوا، أو غاية للخسران، أى خسر المكذبون إلى قيام الساعة بأنواع البلاء، وإذا قامت وقعوا فيما ينسيهم هذا الخسران، والساعة قطعة من الزمان وغلبت على الوقت المعلوم كالنجم للثريا، وسمى ساعة لقلته بالنسبة إلى الخلود، أو لسرعة الحساب فيه، وفسره بعض بوقت الموت هنا { بغتة } حال، أى فى نفس البغتة مبالغة، أو ذات بغتة أو باغتة، أو مبغوتين بها، أو جاءت بمعنى بغتت كقمت وقوفا، أو باغتة بغتة، أو نبغتهم بغتة،، والبغتة المفاجأة من غير استعداد ولا جعله ببال، ولو جعل ببال لم يعد بغتة ولو لم يستعد له، وفى التعبير عن القيامة بالساعة تلويح إلى سرعة الحساب، وإيذان بأنها شهرت حتى لا ينصرف عنها لفظ الساعة علما بالغلبة فكيف يغفل عن الاستعداد لها، { قالوا } جواب إذا، ومن زعم أن حتى جارة قال استئناف { يا حسرتنا } ندمنا وتلهفنا احضر فهذا وقتك، والمراد شدة التحسر، وتصريحهم بإهمال أنفسهم عن الحق حتى نادوا للحسرة والحسرة لا تسمع وتقبل، وقد قيل كأنهم ذهلوا حتى نادوها، ويقال: هذا التحسر وإن كان عند الموت لكن الموت من مقدمات الآخرة، فجعل من جنس الساعة وسمى باسمها، أو جعل مجيء الساعة بعد الموت كالواقع باتصال { على ما فرطنا فيها } ما مصدرية، أى على تفريطنا فى الدنيا، وإن لم يجر لها ذكر لعلمها من المقام،وتقدر فى أخرى ومجرورها، أى فى الإيمان والعمل الصالح، لجواز تعليق اسم الزمان ومجرور فى بعامل واحد ولو بلا تبعية، والدنيا زمان فكما يجوز أقمت زمانا فى مكان كذا أو فى عمل كذا يجوز أقمت فى زمان فى مكان أو فى عمل، ويجوز عود الضمير إلى الأعمال لعلمها من المقام فلا تقدر فى أخرى، أى فى الدنيا، أو تقدر وتعلق فى الأعمال، كما قيل بعودة إلى ما على أن ما اسم واقع على الأعمال، أى على الأعمال التى قصرنا فيها، وقيل بعود الضمير إلى الساعة، أى فرطنا فى مراعاة حق القيامة، وقيل إلى الجنة أى فرطنا فى طلبها، وقيل إلى الصفة لدلالة الخسران عليها، وهو أقوال بعيدة، ويقولون يا حسرتنا على ما فرطنا فيها حال حملهم الوزر كما بينه بواو الحال فى قوله { وهم يحملون أوزارهم } ذنوبهم { على ظهورهم } سمى الذنوب أوزارا لثقلها ثقلا معنويا وهو شدة العذاب عليها أو حسيا كما هو معنوى أيضا، كما روى أن المؤمن إذا خرج من قبره استقبله أحسن شئ صورة وأطيبه ريحا، فيقول: هل تعرفنى؟ فيقول: لا، فيقول: أنا عملك الصالح فاركبنى فقد طال ما ركبتك فى الدنيا، فذلك قوله تعالى

يوم نحشر المتقين إلى الرحمن وفدا

[مريم: 85] يعنى ركبانا، وأما الكافر فيستقبله أقبح شئ صورة وأنتنه ريحا، فيقول: هل تعرفنى؟ فيقول: لا، فيقول: أنا عملك الخبيث، طال ما ركبتنى فى الدنيا، فإنا اليوم أركبك، فذلك قوله تعالى: { وهم يحملون أوزارهم على ظهروهم } ، وقيل يدخل معه قبره فى أقبح وجه وأسوئه، وأنتن ريح وأدنس ثوب، ويقول: من أنت؟ ما أقبحك فيقول: أنا عملك فى الدنيا، وإذا خرج وجده أيضا، ويركبه حتى يدخله النار، والصحيح أن الأعمال لا تجسم، فيحمل الحديث والقرآن على التمثيل، وخص الظهر لأنه يطيق من الحمل ما لا يطيقه غيره من الجسد، وهو الأصل فى الحمل، كما أن الكسب فى الأكثر بالأيدى وهى الأصل فيه { ألا ساء ما يزرون } أى ما يذنبون، أى يكسبونه من الذنوب، أو يحملونه، والمخصوص بالندم محذوف، أى حملهم ذلك، أو ذنوبهم تلك، وساء من باب نعم وبئس فحول من الفتح إلى الضم واللزوم، أو مستعمل فى التعجب كذلك، أو باق على الفتح والتعدية، أى ساءهم، وما موصول اسمى، أو نكرة موصوفة أو مصدرية، ولا حمل فى الآية، بل تمثيل لاستحقاقهم العقاب، لأن الذنوب أعراض لا أجسام.

[6.32]

{ وما الحياة الدنيا إلا لعب ولهو } ما أعمال الحياة الدنيا التى هى معاص أو مكروهات وما لا يعنى والمباحات التى لم تصرف إلى الطاعة بنية إلا لعب وهو ما لا نفع فيه ولا جد، بل هزل، وإلا لهو وهو اشتغال عما يهم مما ينفع أو يتوهم نفعة، وأخرج بعضهم عن اللهو واللعب ما هو من مروة المعاش ولم تقصد به معصية، وقيل اللعب ما يشغل النفس عما تنتفع به، واللهو صرفها عن الجد إلى الهزل، فالدنيا ذمت من هذا الوجه، ومدحت من حيث إن الطاعة -ومنها المباح المصروف إليها - تكتسب فيها، فنعمت المطية، والكلام من التشبيه البليغ، ولو لم يقدر المضاف وهو أعمال وجعلت الدنيا نفسها لعبا ولهوا مبالغة لصح، وقيل اللهو صرف الهم بما لا يصح أن يصرف به، واللعب طلب المسرة بما لا يحسن أن تطلب به، وقيل اللعب ما قصد به تعجيل المسرة، واللهو ما شغل من هوى وطرب، وقيل ما قدم من غير ترك للآخر لعب، وما ترك به الآخر ونسيه لهو، وقيل هما فى الشئ الواحد باعتبارين، فإذا أقبل على الباطل أعرض عن الحق، فإقباله لعب وإعراضه لهو، وقدم اللهو فى العنكبوت، والله أعلم، لأن المقام فيها لقصر الحياة الدنيا واللهو مما يقصر به الزمان، وأيام السرور قصار، والمقام هنا للرد على الكفرة فى إنكار الآخرة، والمراد مسرة الدنيا وهى كلا شئ فقدم لعب، أو قدمه لإقبالهم على الباطل قولا وفعلا، أو لأن اللعب مقدم خارجا على اللهو، أجاب قولهم

إن هى إلا حياتنا الدنيا نموت ونحيا وما نحن بمبعوثين

[المؤمنون: 37] بقوله عز وجل { وما الحياة الدنيا إلا لعب ولهو } ، وبقوله { وللدار الآخرة خير } لدوامها وعدم تكدر لذاتها من الدنيا لعنائها وتكدر لذاتها ونقص لذاتها، أو خير بمعنى منفعة { للذين يتقون } الشرك والمعاصى، أو أفضل لهم فى الدنيا، وأما الكفار فما لهم فى الدنيا منفعة لهم، لا ما فى الآخرة، وما ليس من أعمال المتقين لهو ولعب لا يؤدى إلى سعادة، واللام للابتداء متصل بألف أل التى حذفت وبقيت اللام بعدها، ومقتضى قوله: وما الحياة الدنيا أن يقال وما الدار الآخرة إلا جد وحق، لكن أقيم مقامه مسببه وهو الخيرية للذين يتقون، { أفلا تعقلون } للحاضرين أو تغليب لهم على الغائبين فيكون توبيخهم منطوقا به كالحاضرين، أى ألا يتفكرون فلا يعقلون، أو تغفلون فلا تعقلون أن الدار الآخرة خير، وأن الدنيا لعب ولهو، قيل اللهو واللعب مترادفان، وأنهما ما يلهو به الصبيان ويجتمعون عليه ساعة مبتهجين ويتفرعون، وذلك صرف الهم بما لا يحسن صرفه به، أو طلب الفرح بما لا يحسن أن يطلب، واختار بعض أن كل لعب لهو ولا عكس، فبينهما عموم وخصوص مطلق، لأن اللهو يشمل المباح والحرام دون اللعب، لأن كل لعب حرام، وما استثنى منه فهو فى صورة اللعب، فالأخص يستلزم الأعم، وذكر الأعم بعده يحتاج إلى عناية، وهى أنهم يلعبون به ويلهيهم ذلك اللعب فحينئذ يحسن الأعم بعد ذكر الأخص، كقوله تعالى:

وكان رسولا نبيا

Shafi da ba'a sani ba