348

Tayyasar Tafsiri

تيسير التفسير

Nau'ikan

اجعل لنا إلها كما لهم آلهة

[الأعراف: 138] وقد عبدوا العجل وقيل قالوا استهزاءا بالنبى صلى الله عليه وسلم إذ لم يوسع عليه وعلى أصحابه، وقيل يده ممنوعة من عذابنا إلا قدر أيام عبادة العجل، واليد القدرة أو على ظاهره { غلت أيديهم } إخبار بأن أيديهم ستغل في النار أو تغل عند السحب إلى النار أو تغل بالأسر، أو تزداد فقرا بحيث لا تعطى ولا تأخذ، فالمعنى ستغل غلا لا بد منه وكأنه حاضر ومتحقق الآن، أو غلت عن الإنفاق الموجب لإدرار الرزق عليهم وإخبار ببخلهم فلا ترى أبخل منهم ولا أفقر ولو كانوا ذوى مال؛ لأن الغنى غنى القلب، أو أمسكت عن فعل الخير فالمراد كلهم لا أيديهم فقط لا دعاء بفقر أو قبض لأن الله لا يدعو لأنه إنما يدعو المحتاج العاجز والله جل وعلا لا يحتاج ولا أحد مثله أو فوقه يستجلب منه إلا أن يقال صورة دعاء بطريق الكناية بأن يراد لازمها وهو كونهم بحال خسيسة بحيث يستحقون الدعاء عليهم بسوء { ولعنوا بما قالوا } من أن يد الله مغلولة، أو به وبسائر بهاتينهم أى أبعدوا عن الرحمة بالمسخ قردة وخنازير والذل والجلاء وإدخال النار، والعطف على غلت أيديهم وهو مثله في أنه إخبار أو دعاء، وناقض قولهم باثبات البسط له وبكونه يعطى بيديه معا في قوله { بل يداه مبسوطتان } عطف على محذوف أى ليس الأمر كما قالوا بل يداه مبسوطتان، والمعنى أنه جواد باسط النعمة، وهكذا المراد لا إثبات الجارحتين ولكن ثنى اليد إعلاما بأنه في غاية الجود، وكناية يراد لازمها وحده تارة وهو هنا كثرة العطاء لا معناها الحقيقى فهو هنا الجارحتان ولازمها ومعناها معا تارة، أو اليدان النعمتان نعمة الدنيا ونعمة الآخرة أو نعمة إعطاء الخير ونعمة صرف الضر، أو نعمة الدين أو نعمة الظاهر ونعمة الباطن وما يعطى إكراما وما يعطى إهانة واستدراجا. وقيل التثنية للثواب والعقاب وقيل للتكثير ككرتين ولبيك ومرة بعد أخرى وزعم جمهور الأشاعرة أن اليد في حق الله واليدين والأيدى صفة ذات يؤمن بها بلا تكييف وهو خطأ وجمهور المتكلمين على ما نحن عليه من تفسير ذلك بالنعمة والقدرة ونحو ذلك وهو البسط المذكور فى الآية مقيد بقوله { ينفق } الخلق أو يصرف النعم { كيف يشاء } من تضييق وبسط على مقتضى الحكمة، وقوله

ولو بسط الله الرزق لعباده لبغوا في الأرض ولكن ينزل بقدر ما يشاء

[الشورى: 27] وقوله

يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر

[سبأ: 36] فكأنه قيل بل يداه مبسوطتان متى شاء ولمن شاء فهو مطلقا جواد يبسط الخير الكثير مفرقا بحسب مشيئته { وليزيدن } أى والله ليزيدن { كثيرا منهم } من اليهود { ما أنزل إليك } من القرآن وغيره { من ربك طغيانا وكفرا } على طغيانهم وكفرهم السابقين كلما نزل من الله شئ كفروا به، أو سعوا في إطفائه بالتحريف للفظة ومعناه ما أمكن، كالمريض كلما أكل غذاء صالحا للأصحاء ازداد مرضا { وألقينا بينهم العداوة والبغضاء إلى يوم القيامة } كل فرقة من اليهود تخالف الأخرى قلبا وقولا، وقيل: الضمير للنصارى واليهود لذكرهم في

لا تتخذوا اليهود والنصارى

[المائدة: 51] وفى لفظ أهل الكتاب، فمنهم مجبرة ومنهم قدرية ومشبهة ومجسمة ومرجئة كما أن النصارى ملكانية ونسطورية وماردانية وهم على ذلك حتى فى عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ونزول القرآن، وزادت النصارى أنهم على ذلك حتى فى عهد نزول الإنجيل بخلاف فرق هذه الأمة فإنها لم توجد في زمان نزول القرآن بل بعد رسول الله صلى الله عليهوسلم، والبغضاء في القلب والعداوة أثرها على الجوارح من شتم وضرب ونحو ذلك فكلما كانت العداوة فالبغضاء موجودة، وليس كلما كانت البغضاء فالعداوة موجودة، فالعداوة أخص من البغضاء وكل عدو مبغض وقد تبغض من ليس عدوا، ومن تلك العداوة بين اليهود والنصارى لا يرى جند يهوديون ونصرانيون مجتمعين على قتال المسلمين { كلما أوقدوا نارا للحرب } كلما شددوا شرا من جوع وأموال ومكر وحيل وشجاعة يلقون به رسول الله صلى الله عليه وسلم والمسلمين { أطفأها } أبطلها كما تطفأ النار بالماء.. { الله } بإلقاء البأس بينهم وتفرق الناس عنهم، وكذلك قبل النبي صلى الله عليه وسلم لما خالفوا التوراة وقتلوا الأنبياء سلط الله عليهم بخت نصر من بابل قتل كبارهم وسبى صغارهم وأحرق التوراة وأخرب بيت المقدس، وذلك حين حبسوا أرمياء وقتلوا يحيى وقيل شعيا، ثم أفسدوا بقتل يحيى أو أشعياء على ما مر فسلط الله عليهم قطرس الرومى، ثم أفسدوا بقصد قتل عيسى فسلط عليهم المجوس ثم أفسدوا فسلط عليهم الروم إذ ردت لهم الغلبة على المجوس ثم سلط الله المسلمين عليهم وعلى الروم فقتلوا قريظة وأجلوا النضير وبنى قينقاع، وأسر أهل خيبر وزاد لهم أهل وادى القرى، وضرب على أهل الذمة الجزية، وقيل: جاء الإسلام وهم تحت المجوس، ووجهة أن حيث غلبت الروم الفرس وهم مجوس كانوا تحت المجوس كما كانوا من قبل حتى تغلب المسلمون على الفرس مع أن من كان منهم في أرض الروم فهو تحت الروم، وقيل الآية على العموم لا يقاتل اليهود قوما إلا غلبهم القوم كفارا أو مسلمين، وأشار إلى تلك الإفسادات وغيرها بقوله { ويسعون فى الأرض } أى أرض كانوا أو فى أرضهم { فسادا } مفعول يسعون لتضمنه معنى يكسبون ففيه مبالغة بأنهم راغبون فى الفساد كالرغبة في جمع المال، أو يسعون سعى فساد أو اسم مصدر أى لأجل الإفساد أو ذوى إفساد، وذلك أنهم يجتهدون في الكيد على المسلمين وإثارة الحروب وهتك الحرم، أو يسعون بمعنى يفسدون أى يفسدون فسادا أى إفسادا { والله لا يحب المفسدين } أى يجازيهم شرا عموما فيدخل هؤلاء بالأولى، أو المراد من عهد أظهر لهم ليصفهم بالإفساد فيدخل غيرهم بالإلحاق لعلة الإفساد.

[5.65]

{ ولو أن أهل الكتاب } التوراة والإنجيل فالمتبادر أن أهل الكتاب اليهود والنصارى، ويحتمل اليهود لأن الكلام فيهم وهم مخاطبون بالإنجيل كالتوراة { آمنوا } بمحمد صلى الله عليه وسلم وبما جاء به وهو يتضمن الإيمان بالأنبياء والكتب كلها، فأهل الكتاب مشركون إذا لم يؤمنوا به، فلا يدخلون الجنة. أو ولو أن أهل الكتاب آمنوا بجميع الرسل والكتب { واتقوا } إيقاد الحرب والسعى فسادا والإلحاد فى صفات الله وأفعاله وأكل السحت وغير ذلك مما هو معصية فعلا أو تركا { لكفرنا عنهم سيئاتهم } نسقطها عنهم فلا نؤاخذهم بها فهذه تحلية وهى طرح المضرة { ولأدخلناهم جنات النعيم } هذه تحلية أخرى على ما هو الأصل ولا شك أن التوحيد مكفر لما قبله حال الشرك، والآية لم تخرج عن ذلك، أما من حيى بعد إسلامه حتى وقع عليه تكليف بفعل أو ترك ففعل الواجب وترك المحرم فقد اتقى، ومن أسلم ومات قبل ذلك فقد اتقى بمعنى أنه انتفى عنه فعل ما نهى عنه وترك ما أمر به فلفظ اتقوا شامل لهما على أنه من عموم المجاز أو المراد فى الآية من حيى فيعلم غيره كذلك إلحاقا، بل من مات بعد التوحيد وقبل ذلك فقد آمن واتقى الشرك فشملته الآية بلا عموم مجاز إذ قد فعل ما كلف به فى الحال، ولا يكتفى بذلك فيمن حيى إلى ذلك لأدلة وجوب العمل الصالح والتقوى مع الإيمان فيمن أسلم من شرك وفيمن إسلامه أصيل. قال مالك بن دينار رحمه الله: جنات الفردوس وجنات عدن جنتان عظيمتان بينهما جنة النعيم أفضل منهما فيها جوار خلقن من ورد الجنة، قيل: فمن يسكنها؟ قال: الذين إذا هموا بالمعاصى ذكروا عظمة الله سبحانه وتعالى فتركوا المعاصي، ماتت النوار زوج الفرزدق فصلى عليها الحسن ووقف الناس فقال: ما تنتظرون؟ فقال الفرزدق: ينتظرون شر الناس، يعنى نفسه، وخير الناس -يعنى الحسن- فقال الحسن لست بشرهم ولست بخيرهم ولكن ما أعددت لهذا اليوم فقال شهادة أن لا إله إلا الله سبعين سنة، توهم أن التوحيد يكفى، فقال الحسن: هذا العمود فأين الأطناب يعنى التوحيد كعمود الخيمة لا ينتفع به دون العمل والتقوى كما لا ينتفع بالخيمة دون الأطناب.

Shafi da ba'a sani ba