325

Tayyasar Tafsiri

تيسير التفسير

Nau'ikan

{ السلام } الله كما قال جل وعلا

هو الله الذى لا إله إلا هو الملك القدوس السلام

[الحشر: 23]، فالمراد شرائع الله تعالى وذكر نفسه باسم السلام لسلامته من النقائص التى اثبتتها اليهود والنصارى فذلك رد عليهم أو السلامة من العذاب، أو السلام الدين بمعنى الإسلام كما هو ظاهر قول ابن عباس: يريد دين الإسلام أو المراد سبل دار السلام { ويخرجهم } به { من الظلمات } الكفر الشبيه بالظلمات المتراكمة أو المتحادية أو الجهالات أو الاعتقادات الشبيهة بها والجامع الهلاك والمضرات { إلى النور } الإيمان الشبيه بالنور أو العلوم أو الاعتقادات الشبيهة به، { بإذنه } بارادته لا قهر على الله ولا اضطرار ولا طبع، أو بتيسيره وجعله حالهم موافقا لما يأذن فيه ويطلق إليه ولا يحرمه { ويهديهم إلى صراط مستقيم } لا عوج فيه مؤديا إلى هلاك أو ضر هو دين الإسلام، والصراط المستقيم هو سبل السلام وكرره لاختلافهما مفهوما ولو اتحدا ماصدقا، وقيل الصراط المستقيم الطريق فى الأرض إلى الجنة يوم القيامة.

[5.17]

{ لقد كفر الذين قالوا إن الله هو المسيح ابن مريم } هم اليعقوبية على المشهور ومنهم في الدين نصارى نجران زعموا أن فيه لاهوتا أى ألوهية بدليل أنه يحيى الميت ويميت الحى ويخلق وينبئ بالغيوب ويبرئ الأكمه والأبرص ويدبر العالم، لما ادعوا ذلك مع قولهم لا إله إلا واحد نسب الله إليهم بتعريف الطرفين مع ضمير الفصل أنهم قالوا لا إله إلا عيسى، وأكد بأن وذلك إيضاح لجهلهم وفضيحة لهم لأن الألوهية لا تتجزأ ولا تتعدد ولا تنتقل ولا تحل في الحادث، والإله لا يعجز ولا يحتاج ولا يلحقه ضر ولا نفع ولا أول له، وعيسى بخلاف ذلك، وهو حادث ومالا أول له لا آخر له فلو انتقلت هى أو بعضها عدم الأول أو بعضه تعالى الله عن ذلك، وكل ما كان بيد عيسى من إحياء وما بعده فالله هو الفاعل له، واختار البيضاوى أنهم لعنهم الله لأنهم قالوا بالاتحاد كما هو ظاهر الآية والكلام في أمه مثله، قيل قالوا المسيح هو الله وأنه من لاهوت وناسوت واللاهوت هو ما فيه من الألوهية النازلة فيه من الله سبحانه سبحانه سبحانه والناسوت ما فيه من بشرية أمه، وإنما قال الله عز وجل عنهم إن الله هو المسيح لأنه لما رفع اجتمعت طائفة وقالت: ما تقولون فى عيسى؟ فقال أحدهم أتعلمون أن أحدا يحيى الموتى غير الله تعالى؟ قالوا: لا. وقال: أتعلمون أن أحدا يبرئ الأكمه والأبرص إلا الله؟ قالوا: لا. فقالوا: ما الله تعالى إلا من هذا وصفه أى حقيقة الألوهية فيه، كما تقول: الكريم زيد ولا تريد الحصر بل حقيقة الكرم فيه. وصرح في بعض الكتب بأن الآية على ظاهرها أن الله هو نفس المسيح نزل من السماء { قل } يا محمد أو من يصلح للقول مطلقا والأول أولى على عطف التلقين أو على تقدير إن كان ذلك { فمن } إنكار أى لا أحد { يملك من الله شيئا } من الإهلاك يريده الله فيدفعه ذلك مالكا له في قبضته، والفاء فى جواب شرط محذوف كما رأيت أو عاطفة على محذوف، أى ليس الأمر كذلك فمن يملك، وأغنى عن جوابه قوله { إن أراد أن يهلك } يميت أو يفنى { المسيح ابن مريم وأمه } ذكرها لانحطاطها أيضا عن الألوهية المدعاة لها { ومن فى الأرض جميعا } تعميم بعد تخصيص فيكون قد نفى الألوهية عن عيسى وأمه عليهما السلام مرتين، مرة بذكرها ومرة بدخولها في العموم، ولو كان عيسى إلها لدفع عن نفسه وعمن شاء ما يكره، فهو عاجز مقهور فليس إلها، ألا يرون أنه من جنسهم مصنوع، ولم يضمر للمسيح تأكيدا بالتصريح بعجزه ونفى الألوهية عنه وأكد أيضا بذكر أن له أما حدث منها فذكرها لذلك، ولأنه قد ادعيت الألوهية لها أيضا.

{ ولله ملك السماوات والأرض وما بينهما } فعيسى وأمه مملوكان لله عز وجل والمملوك لا يكون ربا ولا يكون ابنا لمالكه، ولو كانا إلهين لكان لهما ملك العالم والتصرف فيه إيجادا وإعداما { يخلق ما يشاء والله على كل شئ قدير } يخلق ما شاء من غير شيء ويخلق ما شاء من شيء سابق مخلوق الله، ويخلق الشئ من جنسه ومن غير جنسه كآدم ومن ذكر بلا أنثى كحواء، قيل من هذا زوج إبليس، غضب فخرجت منه شطبة نار خلقها الله زوجا له، ومن أنثى بلا ذكر كعيسى ومن هذا نساء يلدن إناثا بلا ذكر ولا يلدن ذكرا بل يلقحن من الريح أو من ثمار شجرة يأكلنها ومن عفونة ومن ماء ومن حجر كناقة صالح من صخرة ومن شجر كنساء الوقواق تثمر بهن شجر فى أكمام فتنفتق الأكمام عنهن متعلقات بشعورهن قائلات واق واق فيسرع إليهن وينزعن ومن ذكر وأنثى.

[5.18]

{ وقالت اليهود والنصارى نحن أبناء الله وأحباؤه } قالت اليهود نحن أبناء الله وأحباؤه وقالت النصارى نحن أبناء الله وأحباؤه، أى نحن إليه فى القبول وعظم المنزلة كالابن إلى الأب وهو محب لنا فإنه قد تكون منزلة للابن عند الأب ولا حب له فى قلبه، وهم لجهلهم يفسرون حب الله بالميل، وربما ثبتوا له القلب لأنهم مجسمون وذلك شرك والميل صفة العاجز المستكمل، بل حب الله لازم لمحبة، وهو إبعاد الضر وإيلاء النفع، أو قالوا نحن أبناء ابنى الله عزير والمسيح، فاليهود قالوا نحن أبناء ابن الله عزير وأحباء الله، والنصارى قالوا نحن أبناء ابن الله المسيح وأحباء الله، وليس اليهود كلهم أولاد عزير بل بعضهم ولا النصارى أولاد عيسى لأنه لم يتزوج ولم يلد لكن أرادوا بكونهم أبناء عزير والمسيح أنهم أشياعهما ومقربون إليهما، أو نحن أبناء رسول الله، أو لما أثبتوا البنوة للمسيح وعزير أثبتوها لأنفسهم لأن المختص بشخص ينسب إليه ما للشخص كما تقول أقارب الملك: نحن ملوك الأرض، وكما قال مؤمن آل فرعون:

يا قوم لكم الملك اليوم

[غافر: 29]، وإنما الملك لفرعون الذى اختصوا به، ويروى أنه صلى الله عليه وسلم خوف بالله جماعة من اليهود فقالوا، كيف تخوفنا به ونحن أبناءه وأحباؤه، وكثيرا ما يذكر عن المسيح أنه يقول أبى الذى فى السماء ملكه، وإنى لا أشرب الخمر حتى أشربها عند أبى، وإنى ذاهب إلى أبى وأبيكم، وفى المزامير لداود: أنت ابنى سلني أعطك وفيها أنت ابني وحبيبي، وقال: تواصوا فى أبنائى وبناتى يريد عباد الله الصالحين، وقال يوحنا الانجيلى انظروا إلى محبة الآب لنا أن أعطانا أن ندعى أبناء، وقال أيها الأحباء الآن صرنا أبناء الله فينبغى أن ننزله فى الإجلال على ما هو عليه فمن صح له هذا الرجاء فليزك نفسه بترك الخطيئة والإثم ومن لابس الخطيئة فإنه لم يعرفه. وقال يوحنا التلميذ: يا أحبائى إنا أبناء الله تعالى سمانا بذلك، وقال بولس الرسول لملك الروم أن الروح تشهد لأرواحنا أننا أبناء الله تعالى وأحباؤه، وقال متى: قال المسيح أحسنوا إلى من أساء إليكم تكونوا بنى أبيكم المشرق شمسه على الأخيار والأشرار والممطر على الصديقين والظالمين، يعنى أحسنوا إلى من أساء كما أن الله تعالى يحسن إلى المطيع والعاصى، ونحو ذلك، ويراد بالأبوة الحكمة. { قل } على سبيل عطف التلقين أو على تقدير إن صح ذلك { فلم يعذبكم بذنوبكم } مع أن مقتضى البنوة والمحبة أن لا يعذبكم بها وقد عذبكم بالمسخ والأسر والقتل والجزية والجلاء، وقد قلتم أنه يعذبكم فى النار مقدار عبادتكم العجل، فأنتم كاذبون، ولو صحت دعواكم لما فعلتم ذنوبا يعذبكم فإن مدعى منصب لم يتأهل له أو حب مع مخالفة المحبوب لكاذب إذ لم تتبعوا الأب فيما يأمركم به سبحانه ولا من تشايعونه وتسمون أبناء له ولا انتفاع لكم بإرسال عيسى الذى تقولون أنه ابنه وإرسال عبيده إلى غيركم، ولو كان فى إرسال الابن تشريفا وزيادة أمن { بل أنتم بشر ممن خلق } لكم ما لسائر البشر وعليكم ما عليهم { يغفر لمن يشاء } وهو من آمن واتقى { ويعذب منء يشاء } وهو من لم يؤمن أو لم يتق { ولله ملك السماوات والأرض وما بينهما } والمملوك لا يكون ولدا لمالكه ولا يكون إلها، والمملوكية تنافى البنوة ولا ينفعكم ادعاؤكم أنكم أشياع ابنه تعالى الله عن الأبوة الحقيقية، وضمير التثنية مع أن السماوات جمع باعتبار النوعين { وإليه المصير } لا إله غيره فهو المعاقب والمثيب.

Shafi da ba'a sani ba