{ ومن يشاقق الرسول } يكن فى شق غير شق كان فيه الرسول، وهو دين الإسلام، وفك القاف هنا وفى الأنفال لانفكاك ما بين الرسول صلى الله عليه وسلم ومن خالفه، وأدغم فى الحشر لعدم ذكر الرسول، وهذا أولى من أنه أدغم فى الحشر، للزوم أل فى لفظ الجلالة، واللزوم يثقل، فخفف بإدغام القاف، وهنا أل لا تلزم فى الرسول، وكذا فى الأنفال، والمعطوف عليه والمعطوف كشىء واحد فيها، وكأنه تلت القاف الرسول، وذكر الرسالة للتشنيع على من يخالف مقتضاها { من بعد ما تبين له الهدى } بظهور المعجزات الحسية، والإخبار بالغيوب الواقع، ونظم القرآن وصدقه فى الحكم { ويتبع غير سبيل المؤمنين } من اعتقاد وإقرار وعمل { نوله ما تولى } نجعله تاليا جزاء ما تولى من المخالفة، او نبقه على ما اختاره لنفسه منها، حتى يلقانا بها، أو نكله إلى ما ادعى من شفاعة الأصنام له يوم القيامة، على فرض وقوع يوم القيامة، أو إلى ما انتصر به منهما فى الدنيا { ونصله جهنم وسآءت } جهنم { مصيرا } ندخله، وهذا لعدم التأويل فيه أولى من تقدير وساءت التولية مصيرا، واتباع غير سبيل المؤمنين هو مشاقة الرسول، ومشاقته هى ابتاع غير سبيلهم، ولكن جمعهما نظرا إلى أن الرسول يأتى بالشرع من الله ، والمسلمين يعملون به، والإتيان بالشرع غير عملهم به، وعملهم به غيره، والآية حجة فى أن الإجماع حجة، روى أنه سئل الشافعى عن آية تدل على أن الإجماع حجة، فقرأ القرآن ثلاثمائة مرة حتى وجد هذه الآية، لأن اتباع غير سبيل المؤمنين حرام، فوجب إتباع سبيلهم، والإنسان إما متبع له أو غير متبع، ولا خروج عن طرفى المقيض، وقيل جعل يقرؤه ثلاثة أيام بلياليهن، وقيل ثلاث مرات، وعنه: قرأته ثلاث مرات فى كل يوم وليلة حتى وجدت الآية، واحتجاجه بالآية حق صحيح.
[4.116-117]
{ إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشآء ومن يشرك بالله فقد ضل ضلالا بعيدا } عن الحق، لأن الشرك أعظم أنواع الضلال، كرر مبدأ الآية للتأكيد، أو لأن الآيات المتقدمة نزلت فى سارق الدرع ومن يشاقق الرسول فى ارتداده، وختم الأولى بقوله فقد افترى، وهذه بقوله فقد ضل، لأن الأولى فى أهل الكتاب، وهم يتعاطون الحق عن الله عز وجل، وكذبوا عليه بأن عيسى إله أو ابن إله، وأن عزيرا ابن الله، وكذبوا فى قولهم محمد صلى الله عليه وسلم غير نبى، وأن القرآن ليس من الله عز وجل، والثانية فى مشركى العرب، لا يتعاطون ذلك، فناسب وصفهم بمطلق الضلال البعيد، روى عن ابن عباس رضى الله عنهما أن أعرابيا قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم: إنى شيخ لم أشرك بالله تعالى شيئا، مذ أسلمت، منهمك فى الذنوب للهوى لا جرأة على الله وما توهمت أنى أعجز الله تعالى، فما حالى؟ فنزلت الآية، وجعلت هنا، وأيضا تقدم هنا ذكر الهدى، والضلال ضده، ومن ضلالهم البعيد فى الشرك أنهم يعبدون جمادات إناثا تنفعل ولا تفعل، ومن شأن الرب أن يكون فاعلا لا منفعلا، وذلك من شدة سفههم كما قال:
{ إن يدعون } يعبدون، أو ينادون فى مصالحهم { من دونه إلا إناثا } اللات والعزى ومناة، وهذه أسماء لأصنام، مذكرة ومؤنثة لفظيا بالتاء والألف، اعتبر تأنيثها فى الضمائر، والإشارة، والنعت، وغير ذلك تبعا لتأنيث اللفظ، كما قد يؤنث الخليفة لمذكر اعتبارا للفظ وكالقراد يذكر، وإذا سمن لحقت اسمه التاء فقيل حلمه، فتؤنث فى ضميرها ونحوه، والمسمى واحد، ولأنهم يزينونها بزينة النساء، ولأنهم يقولون فى أصنامهم إنها بنات الله، جل الله وعز، ولضعفها وانحطاط قدرها كالأنثى، والعرب تسمى ما اتضع انثى ولأن لكل صنم شيطانه تظهر أحيانا حدفته، ولكل حى من العرب صنم يقال له أنثى بنى فلان، وقال مقاتل وقتادة والضحاك: إلا إناثا أمواتا لا روح فيها، والجماد يدعى أنثى تشبيها له بها من حيث إنه منفعل لا فاعل، أو الإناث الملائكة، فى زعمهم أنها بنات الله، مع اعتقادهم أن إناث كل شىء أخسه، ليسمون الملائكة تسمية الأنثى، وزاد بيانا لبعد ضلالهم، أنهم يدعون من تجرد عن الخير كله إلى الشرك كله، ولعن، وكان فى غاية العداوة لهم، فكيف يصل إليهم خير منه وهو إبليس كما قال { وإن يدعون } فى دعائهم لها أو عبادتهم أو طاعتهم { إلا شيطانا } لأنه أمرهم بتلك العبادة { مريدا } متجردا عن الخير كل تجرد، هو إبليس عند مقاتل، ولا يوجد فى كل صنم، بل نوابه من الجن، وعن سفيان: فى كل صنم شيطان، ومادة مرد التجرد عن الشىء بعد حصوله، كتمرد الشجرة عن الورق، أو انتفائه عنه من أول، كالشىء الصقيل الذى لا يتعلق به شىء، والشاب الذى لا شعر فى وجهه.
[4.118]
{ لعنه } طرده عن الخير أو خذله بأن يفعل موجب الطرد { الله } إخبار عطف عليه قوله { وقال } الخ أى شيطانا مريدا ملعونا وقائلا، وليس اللعن دعاء لأنه إنما يدعو العاجر، جل الله، ويجوز أن يكون الشيطان شياطين تتكلم من الأصنام على وفق عابديها، ويناسب الأول، أو كونه كما قيل، هو الذى يتكلم منها لهم أنه مفرد، لأنه بعد إلا فلا يعم بتقدم النفى ويناسب الأول أيضا قوله { لأتخذن من عبادك نصيبا مفروضا } مقطوعا لى، يطيعوننى، وهم الأشقياء من الإنس والجن، وجملتهم تسعمائة وتسعة وتسعون من كل ألف، وفى الخبر من كل الف واحد لله والباقى للشيطان، وهم بعث النار، فى قوله تعالى يوم القيامة لآدم:
" أخرج من ذريتك بعث النار، فيقول: يا رب، وما بعث النار؟ فيقول أخرج من كل ألف تسعمائة وتسعة وتسعين "
، ويعد فى ذلك يأجوج ومأجوج وغيرهم، قال صلى الله عليه وسلم:
" ما أنتم فيمن سواكم من الأمم إلا كالشعرة البيضاء فى الثور الأسود "
، وذلك قول بلسانه قاله عند لعنه، وقيل بلسان الحال، وذلك ظن منه، كما قال الله عز وجل:
Shafi da ba'a sani ba