وكيف لا يميز مَن له بصيرة بين دين ﴿أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى تَقْوَى مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٍ﴾، [التّوبة، من الآية: ١٠٩]، وارتفع بناؤه على طاعة الرحمن، والعمل بما يرضاه في السر والإعلان، وبين دينٍ ﴿أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى شَفَا جُرُفٍ هَارٍ فَانْهَارَ﴾، [التّوبة، من الآية: ١٠٩]، بصاحبه في النار، أسس على عبادة الأصنام والأوثان، والالتجاء إلى الصالحين وغيرهم من الإنس والجان، عند الشدائد والأحزان، وصرف مخ العبادة لغير الملك الديان، ورجا النفع والعطاء والمنع مِمَّن لا يملك لنفسه نفعًا، ولا ضرا فضلًا عن غيره من نوع الإنسان، ودعوى التصرف في الملك لصالح رميم في التراب والأكفان.
قد عجز عن دفع ما حل به من أمر الله، فكيف يدفع عمَّن دعاه من بعيد الأوطان؟! أو فاسق يشاهدون فسقه وفجوره فهو أبعد الناس من الرحمن، أو ساحر يريهم من سحره ما يحير به الأذهان، فيظن المخذولون أنّها كرامة من الله، وإنّما هي من مخاريق الشيطان، تبًا لهم سدوا على أنفسهم باب العلم والإيمان، وفتحوا عليها باب الجهل والكفران. قابلوا خبر الله بالتكذيب، وأمره بالعصيان.
أخبر بأن الهدى والنور في كتابه، فقالوا: كان ذاك فيما مضى من
الزمان، وأمرهم باتباع ما ﴿أُنْزِلَ﴾ إليهم ﴿مِنْ﴾ ربهم، ولا يتبعوا ﴿مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاء﴾ [الأعراف، من الآية: ٣]، فقالوا: لا بد لنا من ولي غير القرآن.
إن جئتهم بكتاب الله قالوا: ﴿حَسْبُنَا مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ﴾، [المائدة، من الآية: ١٠٤] أهل الزمان، أو جئتهم بسنة رسوله ﷺ قالوا: خالفها الشيخ فلان، وهو أعلم منا ومنكم، فاعتبروا يا أولي الإيمان. عمدوا إلى قبور الأنبياء والصالحين، فبنوا عليها البنيان، ونقشوا سقوفها والحيطان، وحلوها بالغالي من الأثمان، وألبسوها ألوان الستور الحسان، وجعلوا لها السدنة والخدام، فِعْل عباد الأوثان والصلبان، وذبحوا ونذروا لِمَن فيها، وقربّوا لهم القربان، وقالوا: ﴿هَؤُلاَءِ شُفَعَاؤُنَا﴾، [يونس، من الآية: ١٨] في كشف الكروب وغفران الذنوب ودخول الجنان.
1 / 7