وقال ابن القيم: الطاغوت ما تجاوز به العبد حده من معبود أو متبوع أو مطاع. فطاغوت كل قوم مَن يتحاكمون إلى غير الله ورسوله، أو يعبدونه من دون الله، أو يتبعونه على غير بصيرة من الله، أو يطيعونه فيما لا يعلمون أنه طاعة الله. فهذه طواغيت العالم، إذا تأملتها وتأملت أحوال الناس معها رأيت أكثرهم ممن أعرض عن عبادة الله إلى عبادة الطاغوت، وعن طاعته ومتابعة رسوله ﷺ إلى طاعة الطاغوت ومتابعته.
وأما معنى الآية، فأخبر تعالى أنه بعث ﴿فِي كُلِّ أُمَّةٍ﴾، أي: في كل طائفة، وقَرْنٍ من الناس ﴿رَسُولًا﴾، بهذه الكلمة: ﴿أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ﴾، أي: اعبدوا الله وحده واتركوا عبادة ما سواه، فلهذا خلقت الخليقة، وأرسلت الرسل، وأنزلت الكتب، كما قال تعالى: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلاَّ نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ﴾ ١. وقال تعالى: ﴿قُلْ إِنَّمَا أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللَّهَ وَلا أُشْرِكَ بِهِ إِلَيْهِ أَدْعُو وَإِلَيْهِ مَآبِ﴾ ٢. وهذه الآية هي معنى: لا إله إلا الله، فإنها تضمنت النفي والإثبات كما تضمنته لا إله إلا الله، ففي قوله: ﴿اعْبُدُوا اللَّهَ﴾ الإثبات، وفي قوله: ﴿اجْتَنَبُوا الطَّاغُوتَ﴾ النفي. فدلت الآية على أنه لا بد في الإسلام من النفي والإثبات، فيثبت العبادة لله وحده، وينفي عبادة ما سواه، وهو التوحيد الذي تضمنته سورة ﴿قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ﴾ ٣. وهو معنى قوله: ﴿فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لا انْفِصَامَ لَهَا وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ﴾ ٤.
قال ابن القيم: وطريقة القرآن في مثل هذا أن يقرن النفي بالإثبات، فينفي عبادة ما سوى الله، ويثبت عبادته، وهذا هو حقيقة التوحيد، والنفي المحض ليس بتوحيد، وكذلك الإثبات بدون النفي، فلا يكون التوحيد إلا متضمنًا للنفي والإثبات، وهذا حقيقة لا إله إلا الله. انتهى.
_________
١ سورة الأنبياء آية: ٢٥.
٢ سورة الرعد آية: ٣٦.
٣ سورة الكافرون آية: ١.
٤ سورة البقرة آية: ٢٥٦.
1 / 32