Tawilat
التأويلات النجمية في التفسير الإشاري الصوفي
Nau'ikan
قد أفلح من زكاها * وقد خاب من دساها
[الشمس: 9-10]، { قالوا فيم كنتم } [النساء: 97]؛ أي: قالت الملائكة حين قبضوا أرواحهم في أي غفلة كنتم تضيعون أعماركم تبطلون استعدادكم الفطري؟ وفي أي واد من أودية الهوى تهيمون؟ وفي أي روضة من رياض الدنيا تسرحون؟ أكنتم تؤثرون الفاني على الباقي، وتنسون الطهور الساقي، وإخوانكم يجاهدون في سبيل الله بأموالهم وأنفسهم، ويهاجرون عن الأوطان ويفارقون الإخوان والأخدان، { قالوا كنا مستضعفين في الأرض } [النساء: 97]؛ أي: عاجزين عن استيلاء النفس الأمارة، وغلبة الهوى ما سوى الشيطان في حبس البشرية، { قالوا ألم تكن أرض الله واسعة } [النساء: 97]؛ أي: أرض القلب واسعة، { فتهاجروا } [النساء: 97] عن مضيق أرض البشرية تسلكوا في فسحة عالم الروحانية، بل تطيروا في هواء الهوية، { فأولئك } [النساء: 97]؛ يعني: ظالمي أنفسهم، { مأواهم جهنم } [النساء: 97] البعد عن مقامات القرب، { وسآءت مصيرا } [النساء: 97]، جهنم البعد لتاركي القرب، والقاعدين عن جهاد النفس، { إلا المستضعفين من الرجال والنسآء والولدان } [النساء: 98]، الذي صفتهم { لا يستطيعون حيلة } [النساء: 98] في الخروج عن الدنيا؛ لكثرة العيال وضعف الحال، وعلى قهر النفس وغلبة الهوى، ولا على قمع الشيطان في طلب الهدى، { ولا يهتدون سبيلا } [النساء: 98]، إلى صاحبة ولاية يتمسكون بعروة الوثقى، ويعتصمون بحبل إرادته في طلب المولى، فيخرجهم من ظلمات البشرية إلى نور سماء الربوبية على أقدام العبودية؛ وهم المقتصدون المشتاقون، ولكن بحجب الأنانية محجوبون عن شهود جمال الحق محرومون فعذرهم الله، ووعدهم الله رحمته وقال تعالى: { فأولئك عسى الله أن يعفو عنهم } [النساء: 99]، السكون عن الله والركون إلى غير الله { وكان الله } [النساء: 99] في الأزل، { عفوا } [النساء: 99]؛ لعفوه أمكنكم التقصير في العبودية { غفورا } [النساء: 99]؛ ولغفرانه أمهلهم في إعطاء حق الربوبية.
[4.100-101]
ثم أخبر عن المهاجرين وهم السابقون بقوله تعالى: { ومن يهاجر في سبيل الله يجد في الأرض مرغما كثيرا وسعة } [النساء: 100]، والإشارة فيها: إن من غاية ضعف الإنسان، وجبانة الحيوانية، واستهواء الشيطانية يكون خوف البشرية غالبا على الطالب الصادق في بدء طلبه، فكلما أراد أن يسافر عن الأوطان ويهاجر عن الإخوان طالبا فوائد إشارة أن يسافروا تصحوا، وتغتنموا الإزالة مرض القلب ونيل صحة الدين والفوز بسنح كامل مكتمل، وطيب حاذق مشفق ليعالج مرض قلبه ويبلغه كعبة طلبه، فسولت له النفس إعواز الرزق وعدم الصبر، ويعده الشيطان بالفقر فقال تعالى: على قضيته
والله يعدكم مغفرة منه وفضلا
[البقرة: 268]، { ومن يهاجر في سبيل الله } [النساء: 100]؛ أي: في طلب الله، { يجد في الأرض مرغما كثيرا } [النساء: 100]؛ أي: بلاء أطيب من بلاءه، وإخوانا في الدين أحسن من إخوانه، وسعة في الرزق، وفيه إشارة أخرى؛ وهي ومن يهاجر عن البشرية في طلب حضرة الربوبية يجد في الأرض الإنسانية، { مرغما كثيرا } [النساء: 100] أي: متحولا ومنازل مثل القلب والروح والسر، { وسعة } [النساء: 100] أي: وسعة في تلك العوالم الوسيعة وسعة من رحمة الله. كما أخبر تعالى على لسان نبيه صلى الله عليه وسلم عن تلك العوالم الوسيعة بقوله:
" لا يسعني أرضي ولا سمائي وإنما يسعني قلب عبدي المؤمن "
، فافهم يا كثير الفكر قصير النظر قليل العبر.
ثم قال تعالى دفعا للهوى حبس النفسانية ووساوس الشيطانية في التخويف بالموت والإبعاد بالفوت { ومن يخرج من بيته } [النساء: 100] أي: ببيت بشريته بترك الدنيا وقمع الهوى وقهر النفس بهجران صفاتها وتبديل أخلاقها { مهاجرا إلى الله } [النساء: 100] وطالبا له في متابعته، { ورسوله ثم يدركه الموت } [النساء: 100] قبل وصوله، { فقد وقع أجره على الله } [النساء: 100]؛ يعني: فقد أوجب الله تعالى على ذمة كرمه بفضله ورحمته أن يبلغه إلى أقصى مقاصده وأعلى مراتبه في الوصول ينال على صدق نية وخلوص طوية إذا كان المانع من أجله، ونية المؤمن أبلغ من عمله، { وكان الله غفورا } [النساء: 100]؛ لذنب بقية أنانية وجوده، { رحيما } [النساء: 100]، عليه بتجلي صفة جوده ليبلغ العبد إلى كمال مقصوده بمنه وكرمه وسعة وجوده.
ثم أخبر عن خوف الأعداء على طريق الأولياء بقوله تعالى: { وإذا ضربتم في الأرض فليس عليكم جناح أن تقصروا من الصلوة إن خفتم أن يفتنكم الذين كفروا إن الكافرين كانوا لكم عدوا مبينا } [النساء: 101]، إلى قوله:
Shafi da ba'a sani ba