295

Tawilat

التأويلات النجمية في التفسير الإشاري الصوفي

Nau'ikan

ثم أخبر عن طلب المتحصلين في الإنفاق والعمل الخالص من النفاق بقوله تعالى: { ومثل الذين ينفقون أمولهم ابتغآء مرضات الله } [البقرة: 265]، فحسب لا ينبغي معها من الله ما هو سواه من أمر الدنيا والآخرة، { وتثبيتا من أنفسهم } [البقرة: 265]، وتخليصا لنياتهم في طلب الحق ومرضاته من حظوظ أنفسهم، { كمثل جنة بربوة أصابها وابل } [البقرة: 265]، الوارد فظل إلهامات { فآتت أكلها ضعفين فإن لم يصبها وابل فطل } [البقرة: 265]؛ يعني: ثمرات الخلاصة في طلب الحق ومرضاته تكون ضعفين بالنسبة إلى من ينفق ويعمل الخيرات والطاعات؛ لأجل الثواب الأخروي، ورفعة الدرجات في الجنان، فإن حظه يكون من نعيم الجنة، فحسب المخلص في طلب الحق يكون له ضعف من قربة الحق ودولة الوصال، وشهود ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر، ضعف من نعيم الجنة أوفى وأوفر من ضعف طلب الجنة ونعيمها بأضعاف مضاعفة بالتبعية، فإن الله تعالى كما يعطي أهل الآخرة نصيبا من الدنيا بالتبعية، ولا يعطي لأهل الآخرة ما لأهل الله من القربة والوصلة بالتبعية؛ فلهذا ثمرات أهل الله تكون ضعفين، ولأهل الآخرة ضعفا واحدا، وأما معنى آخر { فآتت أكلها ضعفين } [البقرة: 265]، في الدنيا ضعف من ثمرات الكشوف والمشاهدات وأنواع الكرامات، أثمرتها جنة قلب المخلصين من { وابل } [البقرة: 265]، الواردات والنظريات الإلهية، أو { فطل } [البقرة: 265]، الجذبات والإلهامات الربانية، { والله بما تعملون بصير } [البقرة: 265]، كيف تعلمون؟ ولماذا تعملون لابتغاء المرضاة أو لاستيفاء الحياة؟

[2.266-267]

ثم أخبر عن حال النفاق في الإنفاق بقوله تعالى: { أيود أحدكم أن تكون له جنة من نخيل وأعناب } [البقرة: 266]، إشارة في تحقيق الآية، إن الله تعالى ضرب مثلا لروح الإنسان وقلبه بجنة { له فيها من كل الثمرات } [البقرة: 266]، إذ خلق في أحسن تقويم مستعدا لجميع الكرامات والكمالات، مزينا بجميع الفضائل وحسن الشمائل، مكرما بعلم جميع الأسماء، منورا بأنوار العقل والحواس، متوحدا بحمل الأمانة، متفردا برتبة الخلافة، جنة هي منظور نظر العناية، { تجري من تحتها الأنهار له فيها من كل الثمرات وأصابه الكبر } [البقرة: 266]، أنهار الهداية وأصاب صاحبها ضعف الإنسانية، { وله ذرية ضعفآء } [البقرة: 266]، من متولدات البشرية، وهم في غاية الاحتياج للتربية بأغذية ثمراتها، { فأصابهآ إعصار } [البقرة: 266]، من أعمال البر، { فيه نار } [البقرة: 266]، من الرياء والنفاق { فاحترقت } [البقرة: 266]، الروحانية بنار صفات البشرية، وأبطلت جميع استعدادها، وقابلته الكمالات فيها بتبديل أخلاق الروحاني النفساني وأوصاف الملكي الشيطاني والحيواني، فأهبط من أعلى عليين إلى أسفل سافلين الطبع، { كذلك يبين الله لكم الأيت } [البقرة: 266]، ألطافه وإحسانه معكم في أصل الخلقة من حسن استعداد الفطرة، { لعلكم تتفكرون } [البقرة: 266]، في الآية ونعمائه معكم لا تبطلوا حسن حالكم بقبيح أفعالكم، ولا تفسدوا صالح خصالكم بفساد أعمالكم، وتوبوا إلى الله بصدق نياتكم، وأخلصوا لله معاملاتكم في طاعتكم، ولا تضيعوا أعمالكم في طلب آمالكم، واستعدوا للموت قبل حلول آجالكم.

ثم أخبر عن إنفاق المال من كسب الحلال بقوله تعالى: { يأيها الذين آمنوا أنفقوا من طيبات ما كسبتم } [البقرة: 267]، الإشارة فيها: أن الله تعالى لما أمر للتصدق بإنفاق الطيب من ماله، راعى صلاحه أكثر مما راعى صلاح الفقير؛ لأن صلاح الفقير مقصور على ما يقول: راجع إلى نفسه، وإن صلاح المتصدق راجع إلى سبعة أمور:

أحدها: لو فسرنا الطيب بالحلال فيقبل الله منه، وإن لم يكن طيبا فلا يقبل الله منه، كقوله صلى الله عليه وسلم:

" إن الله طيب لا يقبل إلا الطيب "

، ولو فسرناه بالجودة.

وثانيها: أن يكون في إنفاق الطيب جانب الحق تعالى مرعيا بالتعظيم، وقد أمر بالتعظيم لأمر الله، فيثاب على ذلك أيضا.

وثالثها: فيه رعاية جانب الفقير بالشفقة عليه، وقد أمر بالشفقة عليه، وقد أمر بالشفقة على خلق الله، فيثاب على ذلك أيضا.

ورابعها: أن يكون به مؤثرا على الفقير، فيثاب أيضا.

Shafi da ba'a sani ba