286

Tawilat

التأويلات النجمية في التفسير الإشاري الصوفي

Nau'ikan

والثالث: أنه أحيى فيها معنى معالجة الخليل بالبصر يعني: { أولم تؤمن } بإنجاز وعدي لك بالرؤية فاصبر فإن الميعاد لخواص العباد، ثم قال الخليل في الاستفهام للمبالغة في تحصيل المرام: { بلى ولكن ليطمئن قلبي } عن الاستفهامات ببلى السر بالسر، وقرر المضمرات في السؤال بقوله: { ولكن } يعني ولكن مع الحديث اعلم واضمر في لفظه: { ليطمئن قلبي } ضرورات السؤال وحقائقها إضمار بإضمار، فأما الجواب عن الاستفهام الأول في جواب المفهوم الأول منه طلب الأحياء، ومعنى الاستفهام أي: ما آمنت عند نمرود بأني أحيي وأميت قال: { بلى } وكان إيماني حقيقيا، ولكن كان مقصودي من السؤال عن إحياء الموتى الإيمان والإيقان، فإنه حاصل لي ولا إحياء الموتى، فإني فارغ من الموتى وإحيائهم ولي اضطراب قلبي بمثل هذه الأشياء حتى تطمئن، وإنك تعلم ما نريد.

والجواب عن مفهوم الثاني بالاستفهام، وهو قوله: { أولم تؤمن } بميعاد رؤيتي في الجنة فأريك ثمة، فقال: أؤمن بهذا ولكن لا يسكن اضطراب قلبي في الطلب وقلقه في الشوق أرني ليطمئن قلبي، فإن سبب اضطراب القلب عين الإيمان، وكلما ازداد يقينه بالرؤية ازداد شوقه وقلقه.

والجواب الثالث { بلى }: اعلم أنك أبهمت الجواب عن سؤال الرؤية وأظهرت التشكك عن معنى الرؤية كما أبهمت السؤال عن الرؤية وأظهرت التشكك عن معنى الرؤية كما أبهمت السؤال عن الرؤية وأظهرت التشكك في معنى الإحياء، وقلت: { أولم تؤمن } بقدرتي على الإحياء، ولكن ما سألتك عن الإحياء مسألتك عن كيفية الإحياء أن ترني كيف { تحيي الموتى } ففي ذلك تحصيل مقصودي، وهذا كما أن العاشق معشوقا احتياطا وهو يريد أن يرى مشاهدة معشوقه، ويحتشم منه أن يقول له: { أرني } وجهك لأنظر إليك؛ لأنه يعلم أن الدلال قرين الجمال، وأن الحسرة والحسن توءمان، وفي مذهب الملاح الطلب والسبيل سر، وغلبات الشوق مزعجة، وطلبات العشق تخرجه حتى يضطرب إلى السؤال، فيتصنع في طلب المقصود من صاحب الكمال، فيقول: { رب أرني كيف } يختط الثياب، وكل صانع فاخر في صنعه يريد أن يرى جودة صنعه صاحب بصيرة وتمييز، ويحب أن يظهر كماله في ذلك فلا يبخل أن يريه كيفية خياطة الثوب ولا يستنكف عن هذا المعنى ليريه بأن يحضره عنده بلا حجاب، وهو يخيط الثوب ويقول: انظرني كيف أخيطه، فالعاشق يصل بعله الصنع إلى الصانع، ويخطى منه بلا مانع ولا دافع ويطمئن قلبه بذلك؛ فالخليل لما اعتذر عن الخليل من استعمال الاضطرار حاله في سؤاله وتضرع بين يدي مولاه، وهو من يجيب المضطر إذا دعاه وحقق رجاه: { فخذ أربعة من الطير فصرهن إليك ثم اجعل على كل جبل منهن جزءا ثم ادعهن يأتينك سعيا } [البقرة: 260].

والإشارة فيها أنك محجوب بك عني فحجاب صفاتك عن صفاتي محجوب، ولحجاب ذاتك عن ذاتي ممنوع، فمهما تموت عن صفاتك تجئ بصفاتي، وإذا فنيت عن ذاتك أبقيت ببقاء ذاتي: { فخذ أربعة من الطير } وهي الصفات الأربعة التي تولدت من العناصر الأربعة التي تخمرت طينة الإنسان منها، وهي التراب والماء والنار والهوى، فتولدت من أزواج كل عنصر مع قرينة صفتان منها، وهي التراب وقرينه وهو الماء تولد الحرص والبخل، ومن النار وقرينه، وهو الهواء تولد الغضب والشهوة، وهو قرينان يوجدان معا، ولكن واحد من هذه الصفة زوج خلق منها ليسكن إليها كحواء وآدم.

وتتولد منها صفات أخرى فالحرص زوجة الحسد، والبخل زوجة الحقد، والغضب زوجة الكبر، وليس للشهوة اختصاص بزوج معين بل هي كالمعشوقة بين الصفات، فيتعلق بها كل صفة ولها منها متولدات يطول شرحها، فهي الأبواب السبعة للدركات السبع من جهنم التي لها سبعة أبواب لكل باب منهم جزء مقسوم يعني: من الخلق، فمن كان الغالب عليه صفة منها، فيدخل النار بذلك الباب فافهم جدا.

فأمر الله تعالى خليله عليه السلام بذبح هذه الصفات وهي الطيور الأربعة: طاووس البخل، فلو لم يزين المال في نظر البخيل كما يزين الطاووس بألوانه ما بخل به، وغراب الحرص، وهو من حرصه يكثر في الطلب، وديك الشهوة وهو بها معروف، ونسر الغضب ونسبته إليه لتصريفه في الطيران فوق الطيور وهذه صفة الغضب، فلما ذبح الخليل عليه السلام بسكين الصدق هذه الطيور وانقطعت منه متولداتها ما بقي له باب يدخل به النار، فلما ألقي فيها بالمنجنيق قهرا ووقرا صارت عليه

بردا وسلما

[إبراهيم: 69]، تفهم إن شاء الله تعالى وحده.

والإشارة في تقطيعهن بالمبالغة ونتف ريشها، وتفريق أجزائها، وتخليط ريشها ودمائها ولحومها بعضها ببعض، إشارة إلى: محو آثار الصفات الأربعة المذكورة، وهدم قواعدها على يد إبراهيم الروح بأمر الشرع ونائب الحق وهو الشيخ، والأمر بتقسيم أجزائها وجعلها { على كل جبل منهن جزءا } [البقرة: 260]، فالجبال الأربعة هي النفوس التي جبل الإنسان عليها:

أولها: النفس النامية وتسمى النفس النباتية.

Shafi da ba'a sani ba