272

Tawilat

التأويلات النجمية في التفسير الإشاري الصوفي

Nau'ikan

{ وسع كرسيه السموت والأرض } [البقرة: 255]، فهذا مما يخبر عن جمال مكنوناته بمكوناته يعني ذلك سيد هذا الكمال أن يكون محيطا بالسماوات والأرض والنار، وهو مع عظم شأنه كخلقه حلقات في فلات بالنسبة إلى العرش، فانظر إن كمالية جمال العرش كم يكون، أما القول معنى الكرسي فاعلم أن مقتضى الدين والديانات لا يؤول شيئا من الأعيان مما نطلق به القرآن والحديث بالمعاني لا بصورها كما فسر النبي صلى الله عليه وسلم والصحابة وعلماء السلف الصالح اللهم إلا أن يكون محققا خصه الله تعالى بكشف الحقائق والمعاني والأسرار وإشارات التنزيل وتحقيق التأويل، فإذا كوشف بمعنى خاص وإشارة وتحقيق بقدر ذلك المعنى من غير أن يبطل صورة الأعيان مثل الجنة والنار والميزان والصراط، وما في الجنة من الحور القصور والأنهار مجرى المعنى ويبطل صورته بل يثبت تلك الأعيان كما جاء ويفهم منها حقائقها ومعاينها، فإن الله تعالى ما خلق شيئا في عالم الصورة الأولى نظير في عالم المعاني وما خلق الله شيئا في عالم المعنى وهو الآخرة إلا وله حقيقة في عالم الحق وهو غيب الغيب، فافهم جدا.

وما خلق الله في العالمين شيئا إلا وله مثال وأنموذج في عالم الإنسان، فإذا عرفت هذا فاعلم أن مثال العرش في عالم الإنسان قلبه؛ إذ هو محل استواء الروح عليه بخلافة الله، ومثال الكرسي سر الإنسان وسنبينها في تحقيق

الرحمن على العرش استوى

[طه: 5] إن شاء الله تعالى. فالعجب كل العجب أن العرش مع سعته باستواء الرحمانية فقد قيل هو كخلقه حلقات بين السماء والأرض بالنسبة إلى سعة قلب المؤمن وسيجيء شرحه إن شاء الله تعالى.

قوله عز وجل: { ولا يؤوده حفظهما } [البقرة: 255]، فتحقيقه أن لا تؤد الروح الإنساني حفظ أسرار السماوات والأرض ومعانيها التي أودعها في السر الإنساني بقوله تعالى:

وعلم ءادم الأسمآء كلها

[البقرة: 31]، فالله تعالى بعد ما أظهر وأثبت لمخلوقاته من العرش والكرسي والقلب الإنساني وسره علوا في المرتبة وعظمة في الخلقة إظهار الكمال القدرة والحكمة، ترد برداء الكبرياء والعزة والعلاء، واتزر بإزار العظمة في الرفعة والسناء، وهو أولى وأحق بالمدحة والثناء، فقال عز وجل وعلا: { وهو العلي العظيم } [البقرة: 255] عين له العلو في الشأن والعظمة والسلطان فمن علا في الآخرة والأولى فبإعلائه قد علا، ومن عظم فبتعظيم قد عظم واستعلى فسبحان ربنا العظيم وسبحان ربنا الأعلى.

ثم أخبر عن عزة الدين لأرباب اليقين بقوله تعالى: { لا إكراه في الدين } والإشارة فيها أن الله هو محب الذين آمنوا ومتولي إيمانهم ويخرجهم من ظلمات الخلقة إلى نور الهداية حتى آمنوا، ويدل على هذا التحقيق قول النبي صلى الله عليه وسلم:

" إن الله خلق الخلق في ظلمة ثم رش عليهم من نوره فمن أصابه ذلك النور فقد اهتدى ومن أخطاه فقد ظل "

فقد ثبت أنه أخرجهم ذلك اليوم بإصابة النور المرشوش من ظلمات الخلقة وهي ظلمة الحدوث فافهم حتى اهتدوا اليوم فآمنوا، ولولا محبته إياهم وهو مزيد العناية وتوليته بالنصرة والمعونة فضلا ورحمة منه آمنوا وكانوا كافرين بقوله تعالى:

Shafi da ba'a sani ba