قال: " مر رجلان على قوم لهم صنم لا يجوزه أحد حتى يقرب له شيئا، فقالوا لأحدهما: قرب، قال ليس عندي شيء أقرب، قالوا له: قرب ولو ذبابا، فقرب ذبابا، فخلوا سبيله، فدخل النار. وقالوا للآخر: قرب، فقال: ما كنت لأقرب لأحد شيئا دون الله ﷿، فضربوا عنقه فدخل الجنة " ١ رواه أحمد.
..................................................................................................
أحمد - رحمه الله تعالى -: حدثنا أبو معاوية الأعمش عن سليمان بن ميسرة عن طارق بن شهاب يرفعه قال: " دخل الجنة رجل في ذباب" الحديث.
قوله: "في ذباب " أي من أجله. قوله "قالوا وكيف ذلك يا رسول الله؟ " كأنهم - والله أعلم - تقالوا هذا العمل وتقريب الذباب للصنم، فبين لهم النبي صلي الله عليه وسلم أن من فعل هذا وما هو أعظم منه وجبت له النار.
قوله: " مر رجلان على قوم لهم صنم لا يجوزه أحد حتى يقرب له شيئا، فقالوا لأحدهما: قرب، فقال: ليس عندي شيء أقرب، قالوا له: قرب ولو ذبابا، فقرب ذبابا، فخلوا سبيله فدخل النار "؛ لأنه قصد غير الله بقلبه أو انقاد بعمله فوجبت له النار، ففيه معنى حديث مسلم الذي تقدم في باب الخوف من الشرك عن جابر مرفوعا: " من لقي الله لا يشرك به شيئا دخل الجنة، ومن لقيه يشرك به شيئا دخل النار " ٢ فإذا كان هذا فيمن قرب للصنم ذبابا فكيف بمن يستسمن الإبل والبقر والغنم ليتقرب بنحرها وذبحها لمن كان يعبده من دون الله من ميت أو غائب أو طاغوت أو مشهد أو شجر أو حجر أو غير ذلك؟ وكان هؤلاء المشركون في أواخر هذه الأمة يعدون ذلك أفضل من الأضحية في وقتها الذي شرعت فيه، وربما اكتفى بعضهم بذلك عن أن يضحي لشدة رغبته وتعظيمه ورجائه لمن كان يعبده من دون الله، وقد عمت البلوى بهذا وما هو أعظم منه.
قوله: " وقالوا للآخر: قرب قال: ما كنت لأقرب لأحد شيئا دون الله ﷿، فضربوا عنقه فدخل الجنة "ففيه معرفة قدر الشرك في قلوب أهل الإيمان ونفرتهم عنه وصلابتهم في الإخلاص كما في حديث أنس الذي في البخاري وغيره الآتي إن شاء الله
_________
١ رواه أحمد في كتاب "الزهد" صقحة (١٥) عن طارق بن شهاب عن سلمان الفارسي ﵁ وهو موقوف صحيح، وفي كتاب "الزهد" سليمان بدل سلمان وهو خطأ.
٢ تقدم تخريجه ص (٣٥) رقم (١) .
1 / 71