وقوله: ﴿اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ﴾ ١ الآية.
..................................................................................................
تعالى: ﴿وَجَعَلَهَا كَلِمَةً بَاقِيَةً فِي عَقِبِهِ﴾ ٢ أي هذه الكلمة وهي عبادة الله وحده لا شريك له وخلع ما سواه من الأوثان، وهي لا إله إلا الله جعلهما في ذريته يقتدي به فيها من هداه الله من ذرية إبراهيم ﵇ ﴿لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ﴾ أي إليها. قال عكرمة ومجاهد والضحاك وقتادة والسدي وغيرهم في قوله: ﴿وَجَعَلَهَا كَلِمَةً بَاقِيَةً فِي عَقِبِهِ﴾ ٣: يعني لا إله إلا الله لا يزال في ذريته من يقولها.
وقوله تعالى: ﴿اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ﴾ ٤ الآية. الأحبار: هم العلماء. والرهبان: هم العباد. وهذه الآية قد فسرها رسول الله صلي الله عليه وسلم لعدي بن حاتم، وذلك أنه لما جاء مسلما دخل على رسول الله صلي الله عليه وسلم فقرأ عليه هذه الآية. قال: فقلت: إنهم لم يعبدوهم قال: " بلى إنهم حرموا عليهم الحلال وحللوا لهم الحرام فاتبعوهم فذلك عبادتهم إياهم " ٥ رواه أحمد والترمذي وحسنه، وعبد بن حميد وابن أبي حاتم والطبراني من طرق٦. قال السدي: استنصحوا الرجال ونبذوا كتاب الله وراء ظهورهم، ولهذا قال تعالى: ﴿وَمَا أُمِرُوا إِلا لِيَعْبُدُوا إِلَهًا وَاحِدًا لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ﴾ ٧، فصار ذلك عبادة لهم وصاروا به لهم أربابا من دون الله وقد قال تعالى: ﴿وَلا يَأْمُرَكُمْ أَنْ تَتَّخِذُوا الْمَلائِكَةَ وَالنَّبِيِّينَ أَرْبَابًا أَيَأْمُرُكُمْ بِالْكُفْرِ بَعْدَ إِذْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ﴾ ٨.
قوله: "وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ" أي اتخذوه ربا بعبادتهم له من دون الله، وقال تعالى: ﴿وَإِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ قَالَ سُبْحَانَكَ﴾ ٩ إلى قوله: ﴿مَا قُلْتُ لَهُمْ إِلا مَا أَمَرْتَنِي بِهِ أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ وَكُنْتُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا مَا دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنْتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ وَأَنْتَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ
_________
١ سورة التوبة آية: ٣١.
٢ سورة الزخرف آية: ٢٨.
٣ سورة الزخرف آية: ٢٨.
٤ سورة التوبة آية: ٣١.
٥ الترمذي: تفسير القرآن (٣٠٩٥) .
٦ رواه الترمذي رقم (٣٠٩٤) في التفسير: باب تفسير سورة التوبة، وابن جرير الطبري ١٤/ ٢١٠ رقم (٦١٦٣٢) و(٦١٦٣٣) من طرق عن عدي بن حاتم ﵁ أنه دخل على رسول الله ﷺ وهو يقرأ هذه الآية: (اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله) قال: فقلت: إنهم لم يعبدوهم فقال: "بلى، إنهم حرموا عليهم الحلال وأحلوا لهم الحرام، فاتبعوهم، فذلك عبادتهم إياهم "، وهو حديث حسن بشواهده، ذكره السيوطي في " الدر المنثور " ٣/ ٢٣٠، وزاد نسبته لابن سعد وعبد بن حميد، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، والطبراني وأبي الشيخ، وابن مردويه، والبيهقي في " سننه "، وهكذا (اتخذوا أحبارهم ورهبانهم اربابا من دون الله)، أنهم اتبعوهم فيما حللوا وحرموا، وانظر الطبري رقم (١٦٦٣٤) عن حذيفة ﵁.
٧ سورة التوبة آية: ٣١.
٨ سورة آل عمران آية: ٨٠.
٩ سورة المائدة آية: ١١٦.
1 / 47