سوى ما استثنى بها وهو الله تعالى، وفيه النص على أن الأرضين سبع كالسماوات، لكن هذه الكلمة العظيمة لا يحصل رجحانها إلا في حق من أتى بقيودها التي قيدت بها في الكتاب والسنة، وقد ذكر سبحانه في سورة براءة وغيرها كثيرا ممن يقولها ولم ينفعهم قولها، كحال أهل الكتاب والمنافقين على كثرتهم وتنوعهم في نفاقهم، فلم تنفعهم مع ما قام بهم من ترك تلك القيود، "فمنهم " من يقولها جاهلا بما وضعت له وبما دلت عليه من نفي الشرك والبراءة منه والصدق والإخلاص وغيرها كعدم القبول ممن دعا إليها علما وعملا، وترك الانقياد بالعمل بما تقتضيه كحال أكثر من يقولها قديما وحديثا، ولكن في أواخر هذه الأمة أكثر. "ومنهم " من يمنعه من محبتها والعمل بها ما قام بقلبه من كبر أو هوى أو غير ذلك من الأسباب وهي كثيرة منها قوله تعالى: ﴿قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ﴾ ١ إلى قوله: ﴿فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ﴾ ٢.
وأما أهل الايمان الخلص فهم الذين أتوا بهذه الكلمة، واجتمعت لهم قيودها التي قيدت بها علما ويقينا وصدقا وإخلاصا ومحبة وقبولا وانقيادا، وعادوا فيه ووالوا فيه وأحبوا فيه وأبغضوا فيه، وقد ذكرهم تعالى في مواضع من سورة براءة وغيرها وخصهم بالثناء عليهم، والعفو عنهم، وأعد لهم جنته وأنجاهم من النار كما قال تعالى: ﴿وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ﴾ ٣، وقال: ﴿وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ﴾ ٤ فهؤلاء ومن اتبعهم بإحسان هم أهل لا إله إلا الله وغير هذه من الآيات في الثناء عليهم وما أعد لهم في الدار الآخرة، فمن تدبر القرآن وعرف تفاوت الخلق في محبة ربهم وتوحيده والعمل بطاعته والهرب من معصيته، وإيثار ما يحبه تعالى رغبة وعملا وترك ما يكرهه خشية ورجاء، واعتبر الناس بأحوالهم وأقوالهم وأعمالهم ونياتهم وإرادتهم وما هم عليه من التفاوت البعيد تبين له خطأ المغرورين كما في الحديث الصحيح عن النبي صلي الله عليه وسلم أنه قال: " الكيس من دان نفسه وعمل لما بعد الموت، والعاجز من أتبع نفسه هواها وتمنى على الله الأماني " ٥.
_________
١ سورة التوبة آية: ٢٤.
٢ سورة التوبة آية: ٢٤.
٣ سورة التوبة آية: ٧١.
٤ سورة التوبة آية: ١٠٠.
٥ الترمذي رقم (٢٤٦١) في صفة القيامة: باب رقم (٢٦) وحسنه، وأحمد في "المسند" ٤ / ١٢٤، وابن ماجه رقم (٤٢٦٠) في الزهد: باب ذكر الموت والاستعداد له من حديث شداد بن أوس ﵁، وصححه الحاكم ١ / ٥٧، وفي سنده. أبو بكر ابن أبي مريم الغساني وهو ضعيف، وقال الذهبي: لا والله أبو بكر واه، فالحديث ضعيف كما قال الألباني في " ضعيف الجامع" رقم (٤٣١٠) .
1 / 21