وعن أبي سعيد الخدري عن رسول الله صلي الله عليه وسلم قال: " قال موسى: يا رب، علمني شيئا أذكرك وأدعوك به. قال: قل يا موسى: لا إله إلا الله. قال: يا رب كل عبادك يقولون هذا، قال: يا موسى، لو أن السماوات السبع وعامرهن غيري، والأرضين السبع في كفة، ولا إله إلا الله في كفة، مالت بهن لا إله إلا الله " رواه ابن حبان، والحاكم وصححه ١.
مطابقة، فإنها دلت على نفي الشرك والبراءة منه، والإخلاص لله وحده لا شريك له مطابقة، ومن لم يكن كذلك لم ينفعه قوله لا إله إلا الله، كما هو حال كثير من عبدة الأوثان يقولون لا إله إلا الله وينكرون ما دلت عليه من الإخلاص، ويعادون أهله وينصرون الشرك وأهله، وقد قال الخليل ﵇ لأبيه وقومه: ﴿إِنَّنِي بَرَاءٌ مِمَّا تَعْبُدُونَ. إِلا الَّذِي فَطَرَنِي فَإِنَّهُ سَيَهْدِينِ. وَجَعَلَهَا كَلِمَةً بَاقِيَةً فِي عَقِبِهِ﴾ ٢. وهي لا إله إلا الله، وقد عبر عنها الخليل بمعناها الذي وضعت له ودلت عليه، وهو البراءة من الشرك وإخلاص العبادة لله وحده لا شريك له، كما تقدم تقريره، وكذلك من قالها ولم يقبل ما دلت عليه من الإخلاص كان قوله لهذه الكلمة كذبا منه، بل قد عكس مدلولها فأثبت ما نفته من الشرك، ونفي ما أثبتته من الإخلاص.
فهذا الذي ذكرناه هو حال الأكثرين من هذه الأمة بعد القرون الثلاثة، وسبب ذلك الجهل بمعناها واتباع الهوى، فيصرفه عن اتباع الحق، وما بعث الله به رسله من توحيده الذي شرعه لعباده ورضيه لهم.
قوله: لا إله إلا الله ف "لا" نافية للجنس نفيا عاما إلا ما استثنى، وخبرها محذوف تقديره لا إله إلا الله. قال تعالى: ﴿ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ هُوَ الْبَاطِلُ وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ﴾ ٣ فإلهيته تعالى هي الحق، وكل ما سواه من الآلهة فإلهيته باطلة، كما في هذه الآية ونظائرها فهذه كلمة عظيمة هي العروة الوثقى، وكلمة التقوى وكلمة الإخلاص، وهي التي قامت بها السماوات والأرض، وشرعت لتكميلها السنة
_________
١ رواه النسائي في "عمل اليوم والليلة" رقم (٨٣٤) و(١١٤١)، وقال الحافظ في " الفتح " ١١ / ٢٠٨: أخرجه النسائي بسند صحيح، وصححه ابن حبان رقم (٢٣٢٤)، والبغوي في " شرح السنة" ٥ / ٥٤ و٥٥ من حديث دراج أبي السمح عن أبي الهيثم عن أبي سعيد الخدري، ورواية دراج عن أبي الهيثم ضعيفة، ومع ذلك فقد صححه الحاكم ١ / ٥٢٨ ووافقه الذهبي. وقال الهيثمي في " المجمع " ١٠/ ٨٢: رواه أبو يعلى ورجاله وثقوا، وفيهم ضعف.
٢ سورة آية: ٢٦-٢٧.
٣ سورة الحج آية: ٦٢.
1 / 19