حَدَّثَنَا بَحْرُ بْنُ نَصْرٍ، قَالَ: ثنا أَسَدٌ، قَالَ: ثنا هُشَيْمٌ، عَنْ أَبِي بِشْرٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَالَ: «بَيْنَ الْمَلَائِكَةِ وَبَيْنَ الْعَرْشِ سَبْعُونَ حِجَابًا مِنْ نُورٍ، وَحِجَابٌ مِنْ ظُلْمَةٍ، وَحِجَابٌ مِنْ نُورٍ، وَحِجَابٌ مِنْ ظُلْمَةٍ» قَالَ أَبُو بَكْرٍ: لَمْ أُخَرِّجْ فِي هَذَا الْكِتَابِ مِنَ الْمُقَطَّعَاتِ؛ لِأَنَّ هَذَا مِنَ الْجِنْسِ الَّذِي نَقُولُ: إِنَّ عِلْمَ هَذَا لَا يُدْرَكُ إِلَّا بِكِتَابِ اللَّهِ وَسُنَّةِ نَبِيِّهِ الْمُصْطَفَى ﷺ لَسْتُ أَحْتَجُّ فِي شَيْءٍ مِنْ صِفَاتِ خَالِقِي ﷿ إِلَّا بِمَا هُوَ مَسْطُورٌ فِي الْكِتَابِ أَوْ مَنْقُولٌ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ بِالْأَسَانِيدِ الصَّحِيحَةِ الثَّابِتَةِ أَقُولُ وَبِاللَّهِ تَوْفِيقِي، وَإِيَّاهُ اسْتَرْشِدُ: قَدْ بَيَّنَ اللَّهُ ﷿ فِي مُحْكَمِ تَنْزِيلِهِ الَّذِي هُوَ مُثْبَتٌ بَيْنَ الدَّفَّتَيْنِ أَنَّ لَهُ وَجْهًا، وَصَفَهُ بِالْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ وَالْبَقَاءِ، فَقَالَ جَلَّ وَعَلا: ﴿وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ﴾ [الرحمن: ٢٧] وَنَفَى رَبُّنَا جَلَّ وَعَلَا عَنْ وَجْهِهِ الْهَلَاكَ فِي قَوْلِهِ: ﴿كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ﴾ [القصص: ٨٨] وَزَعَمَ بَعْضُ جَهَلَةِ الْجَهْمِيَّةِ أَنَّ اللَّهَ ﷿ إِنَّمَا وَصَفَ فِي هَذِهِ الْآيَةَ نَفْسَهُ، الَّتِي أَضَافَ إِلَيْهَا الْجَلَالَ، بِقَوْلِهِ: ﴿تَبَارَكَ اسْمُ رَبِّكَ ذِي الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ﴾ [الرحمن: ٧٨] وَزَعَمَتْ أَنَّ الرَّبَّ هُوَ: ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ، لَا الْوَجْهُ قَالَ أَبُو بَكْرٍ: أَقُولُ وَبِاللَّهِ تَوْفِيقِي: هَذِهِ دَعْوَى، يَدَّعِيهَا جَاهِلٌ بِلُغَةِ الْعَرَبِ ⦗٥٢⦘، لِأَنَّ اللَّهَ ﷿ قَالَ: ﴿وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكِ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ﴾ [الرحمن: ٢٧] فَذُكِرَ الْوَجْهُ مَضْمُومًا فِي هَذَا الْمَوْضِعِ، مَرْفُوعًا، وَذُكِرَ الرَّبُّ بِخَفْضِ الْبَاءِ بِإِضَافَةِ الْوَجْهِ، وَلَوْ كَانَ قَوْلُهُ: ﴿ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ﴾ [الرحمن: ٢٧] مَرْدُودًا إِلَى ذِكْرِ الرَّبِّ فِي هَذَا الْمَوْضُوعِ لَكَانَتِ الْقِرَاءَ ةُ: ذِي الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ مَخْفُوضًا، كَمَا كَانَ الْبَاءُ مَخْفُوضًا فِي ذِكْرِ الرَّبِّ جَلَّ وَعَلَا أَلَمْ تَسْمَعْ قَوْلَهُ ﵎: ﴿تَبَارَكَ اسْمُ رَبِّكَ ذِي الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ﴾ [الرحمن: ٧٨]، فَلَمَّا كَانَ الْجَلَالُ وَالْإِكْرَامُ فِي هَذِهِ الْآيَةِ صِفَةً لِلرَّبِّ، خُفِضَ ذِي خَفْضَ الْبَاءِ الَّذِي ذُكِرَ فِي قَوْلِهِ: ﴿رَبِّكَ﴾ [الرحمن: ٧٨]، وَلَمَّا كَانَ الْوَجْهُ فِي تِلْكَ الْآيَةِ مَرْفُوعَةً، الَّتِي كَانَتْ صِفَةُ الْوَجْهِ مَرْفُوعَةً، فَقَالَ: ﴿ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ﴾ [الرحمن: ٢٧] فَتَفَهَّمُوا يَاذَوِي الْحِجَا هَذَا الْبَيَانَ، الَّذِي هُوَ مَفْهُومٌ فِي خِطَابِ الْعَرَبِ، وَلَا تَغَالَطُوا فَتَتْرُكُوا سَوَاءَ السَّبِيلِ، وَفِي هَاتَيْنِ الْآيَتَيْنِ دَلَالَةٌ أَنَّ وَجْهَ اللَّهِ صِفَةٌ مِنْ صِفَاتِ اللَّهِ، صِفَاتُ الذَّاتِ، لَا أَنَّ وَجْهَ اللَّهِ هُوَ: اللَّهُ، وَلَا أَنَّ وَجْهَهُ غَيْرُهُ، كَمَا زَعَمَتِ الْمُعَطِّلَةُ الْجَهْمِيَّةُ، لِأَنَّ وَجْهَ اللَّهِ لَوْ كَانَ اللَّهَ لَقُرِئَ: وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكِ ذِي الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ فَمَا لِمَنْ لَا يَفْهَمُ هَذَا الْقَدْرَ مِنَ الْعَرَبِيَّةِ، وَوَضْعَ الْكُتُبِ عَلَى عُلَمَاءِ أَهْلِ الْآثَارِ الْقَائِلِينَ بِكِتَابِ رَبِّهِمْ وَسُنَّةِ نَبِيِّهِمْ ﷺ ⦗٥٣⦘ وَزَعَمَتِ الْجَهْمِيَّةُ عَلَيْهِمْ لَعَائِنُ اللَّهِ أَنَّ أَهْلَ السُّنَّةِ وَمُتَّبِعِي الْآثَارِ، الْقَائِلِينَ بِكِتَابِ رَبِّهِمْ وَسُنَّةِ نَبِيِّهِمْ ﷺ، الْمُثْبِتِينَ لِلَّهِ ﷿ مِنْ صِفَاتِهِ مَا وَصَفَ اللَّهُ بِهِ نَفْسَهُ فِي مُحْكَمِ تَنْزِيلِهِ الْمُثْبَتِ بَيْنَ الدَّفَّتَيْنِ وَعَلَى لِسَانِ نَبِيِّهِ الْمُصْطَفَى ﷺ بِنَقْلِ الْعَدْلِ عَنِ الْعَدْلِ مَوْصُولًا إِلَيْهِ مُشَبِّهَةً، جَهْلًا مِنْهُمْ بِكِتَابِ رَبِّنَا وَسُنَّةِ نَبِيِّنَا ﷺ وَقِلَّةِ مَعْرِفَتِهِمْ بِلُغَةِ الْعَرَبِ، الَّذِينَ بِلُغَتِهِمْ خُوطِبْنَا وَقَدْ ذَكَرْنَا مِنَ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ فِي ذِكْرِ وَجْهِ رَبِّنَا بِمَا فِيهِ الْغِنْيَةُ وَالْكِفَايَةُ، وَنُزِيدُهُ شَرْحًا، فَاسْمَعُوا الْآنَ أَيُّهَا الْعُقَلَاءُ، مَا نَذْكُرُ مِنْ جِنْسِ اللُّغَةِ السَّائِرَةِ بَيْنَ الْعَرَبِ، هَلْ يَقَعُ اسْمُ الْمُشَبِّهَةِ عَلَى أَهْلِ الْآثَارِ وَمُتَّبِعِي السُّنَنِ؟ نَحْنُ نَقُولُ: وَعُلَمَاؤُنَا جَمِيعًا فِي جَمِيعِ الْأَقْطَارِ: إِنَّ لِمَعْبُودِنَا ﷿ وَجْهًا كَمَا أَعْلَمَنَا اللَّهُ فِي مُحْكَمِ تَنْزِيلِهِ، فَذَوَّاهُ بِالْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ، وَحَكَمَ لَهُ بِالْبَقَاءِ، وَنَفَى عَنْهُ الْهَلَاكَ، وَنَقُولُ: إِنَّ لِوَجْهِ رَبِّنَا ﷿ مِنَ النُّورِ وَالضِّيَاءِ وَالْبَهَاءِ مَا لَوْ كَشَفَ حِجَابَهُ لَأَحْرَقَتْ سُبُحَاتُ وَجْهِهِ كُلَّ شَيْءٍ أَدْرَكَهُ بَصَرُهُ، مَحْجُوبٌ عَنْ أَبْصَارِ أَهْلِ الدُّنْيَا، لَا يَرَاهُ بَشَرٌ مَا دَامَ فِي الدُّنْيَا الْفَانِيَةِ وَنَقُولُ: إِنَّ وَجْهَ رَبِّنَا الْقَدِيمِ لَا يَزَالُ بَاقِيًا، فَنَفَى عَنْهُ الْهَلَاكَ وَالْفَنَاءَ، ⦗٥٤⦘ وَنَقُولُ: إِنَّ لِبَنِي آدَمَ وُجُوهًا كَتَبَ اللَّهُ عَلَيْهَا الْهَلَاكَ، وَنَفَى عَنْهَا الْجَلَالَ وَالْإِكْرَامَ غَيْرَ مَوْصُوفَةٍ بِالنُّورِ وَالضِّيَاءِ وَالْبَهَاءِ الَّتِي وَصَفَ اللَّهُ بِهَا وَجْهَهُ تُدْرِكُ وُجُوهُ بَنِي آدَمَ أَبْصَارَ أَهْلِ الدُّنْيَا، لَا تُحْرَقُ لِأَحَدٍ شَعْرَةٌ فَمَا فَوْقَهَا، لِنَفْيِ السُّبُحَاتِ عَنْهَا، الَّتِي بَيَّنَهَا نَبِيُّنَا الْمُصْطَفَى ﷺ لِوَجْهِ خَالِقِنَا وَنَقُولُ: إِنَّ وُجُوهَ بَنِي آدَمَ مُحْدَثَةٌ مَخْلُوقَةٌ، لَمْ تَكُنْ، فَكَوَّنَهَا اللَّهُ بَعْدَ أَنْ لَمْ تَكُنْ مَخْلُوقَةً، أَوْجَدَهَا بَعْدَ مَا كَانَتْ عَدَمًا، وَإِنَّ جَمِيعَ وُجُوهِ بَنِي آدَمَ فَانِيَةٌ غَيْرُ بَاقِيَةٍ، تَصِيرُ جَمِيعًا مَيْتًا، ثُمَّ تَصِيرُ رَمِيمًا، ثُمَّ يُنْشِئُهَا اللَّهُ بَعْدَ مَا قَدْ صَارَتْ رَمِيمًا، فَتَلْقَى مِنَ النُّشُورِ وَالْحَشْرِ وَالْوُقُوفِ بَيْنَ يَدَيْ خَالِقِهَا فِي الْقِيَامَةِ، وَمِنَ الْمُحَاسَبَةِ بِمَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ وَكَسْبِهُ فِي الدُّنْيَا مَا لَا يَعْلَمُ صِفَتَهُ غَيْرُ الْخَالِقِ الْبَارِئِ ثُمَّ تَصِيرُ إِمَّا إِلَى جَنَّةٍ مُنَعَمَّةً فِيهَا، أَوْ إِلَى النَّارِ مُعَذَّبَةً فِيهَا، فَهَلْ يَخْطِرُ يَا ذَوِي الْحِجَا بِبَالِ عَاقِلٍ مُرَكَّبٍ فِيهِ الْعَقْلُ، يَفْهَمُ لُغَةَ الْعَرَبِ، وَيَعْرِفُ خِطَابَهَا، وَيَعْلَمُ التَّشْبِيهَ، أَنَّ هَذَا الْوَجْهَ شَبِيهٌ بِذَاكَ الْوَجْهِ؟ وَهَلْ هَاهُنَا أَيُّهَا الْعُقَلَاءُ، تَشْبِيهُ وَجْهِ رَبِّنَا جَلَّ ثَنَاؤُهُ الَّذِي هُوَ كَمَا وَصَفْنَا وَبَيَّنَا صِفَتَهُ مِنَ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ بِتَشْبِيهِ وُجُوهِ بَنِي آدَمَ، الَّتِي ذَكَرْنَاهَا وَوَصَفْنَاهَا؟ غَيْرُ اتِّفَاقِ اسْمِ الْوَجْهِ، وَإِيقَاعِ اسْمِ الْوَجْهِ عَلَى وَجْهِ بَنِي آدَمَ، كَمَا سَمَّى اللَّهُ وَجْهَهُ وَجْهًا، وَلَوْ ⦗٥٥⦘ كَانَ تَشْبِيهًا مِنْ عُلَمَائِنَا لَكَانَ كُلُّ قَائِلٍ: أَنَّ لِبَنِي آدَمَ وَجْهًا، وَلِلْخَنَازِيرِ وَالْقِرَدَةِ، وَالْكِلَابِ، وَالسِّبَاعِ، وَالْحَمِيرِ، وَالْبِغَالِ، وَالْحَيَّاتِ، وَالْعَقَارِبِ، وُجُوهًا، قَدْ شَبَّهَ وُجُوهَ بَنِي آدَمَ بِوُجُوهِ الْخَنَازِيرِ وَالْقِرَدَةِ، وَالْكِلَابِ وَغَيْرِهَا مِمَّا ذَكَرْتُ وَلَسْتُ أَحْسَبُ أَنَّ عَقْلَ الْجَهْمِيَّةِ الْمُعَطِّلَةِ عِنْدَ نَفْسِهِ، لَوْ قَالَ لَهُ أَكْرَمُ النَّاسِ عَلَيْهِ: وَجْهُكَ يُشْبِهُ وَجْهَ الْخِنْزِيرِ وَالْقِرْدِ، وَالدُّبِّ، وَالْكَلْبِ، وَالْحِمَارِ، وَالْبَغْلِ وَنَحْوَ هَذَا إِلَّا غَضِبَ، لِأَنَّهُ خَرَجَ مِنْ سُوءِ الْأَدَبِ فِي الْفُحْشِ فِي الْمِنْطَقِ مِنَ الشَّتْمِ لِلْمُشَبَّهِ وَجْهِهِ بِوَجْهِ مَا ذَكَرْنَا، وَلَعَلَّهُ بَعْدُ يَقْذِفُهُ، وَيَقْذِفُ أَبَوَيْهِ وَلَسْتُ أَحْسَبُ أَنَّ عَاقِلًا يَسْمَعُ هَذَا الْقَائِلَ الْمُشَبِّهَ وَجْهَ ابْنَ آدَمَ بِوُجُوهِ مَا ذَكَرْنَا إِلَّا وَيَرْمِيهِ بِالْكَذِبِ، وَالزُّورِ، وَالْبَهْتِ أَوْ بِالْعَتَهِ، وَالْخَبَلِ، أَوْ يَحْكُمُ عَلَيْهِ بِزَوَالِ الْعَقْلِ، وَرَفْعِ الْقَلَمِ، لِتَشْبِيهِ وَجْهِ ابْنِ آدَمَ بِوُجُوهِ مَا ذَكَرْنَا فَتَفَكَّرُوا يَا ذَوِي الْأَلْبَابِ، أَوُ وُجُوهُ مَا ذَكَرْنَا أَقْرَبُ شَبَهًا بِوُجُوهِ بَنِي آدَمَ، أَوْ وَجْهُ خَالِقِنَا بِوُجُوهِ بَنِي آدَمَ؟ فَإِذَا لَمْ تُطْلِقِ الْعَرَبُ تَشْبِيهَ وُجُوهِ بَنِي آدَمَ بِوُجُوهِ مَا ذَكَرْنَا مِنَ السِّبَاعِ وَاسْمِ الْوَجْهِ، قَدْ يَقَعُ عَلَى جَمِيعِ وجُوهِهَا كَمَا يَقَعُ اسْمُ الْوَجْهِ عَلَى وجُوهِ بَنِي آدَمَ، فَكَيْفَ يَلْزَمُ أَنْ يُقَالَ لَنَا: أَنْتُمْ مُشَبِّهَةٌ؟ وَوُجُوهُ بَنِي آدَمَ وَوُجُوهُ مَا ذَكَرْنَا مِنَ السِّبَاعِ وَالْبَهَائِمِ مُحْدَثَةٌ، كُلُّهَا مَخْلُوقَةٌ، قَدْ قَضَى اللَّهُ فَنَاءَهَا وَهَلَاكَهَا وَقَدْ كَانَتْ عَدَمًا، فَكَوَّنَهَا اللَّهُ وَخَلَقَهَا وَأَحْدَثَهَا، وَجَمِيعُ مَا ذَكَرْنَاهُ مِنَ السِّبَاعِ وَالْبَهَائِمِ لِوُجُوهِهَا أَبْصَارٌ، وَخُدُودٌ وَجُبَاةٌ، وَأُنُوفٌ وَأَلْسِنَةٌ، وَأَفْوَاهٌ، وَأَسْنَانٌ، وَشِفَاهٌ ⦗٥٦⦘ وَلَا يَقُولُ مُرَكَّبٌ فِيهِ الْعَقْلُ لِأَحَدٍ مِنْ بَنِي آدَمَ: وَجْهُكَ شَبِيهٌ بِوَجْهِ الْخِنْزِيرِ، وَلَا عَيْنُكَ شَبِيهٌ بِعَيْنِ قِرْدٍ، وَلَا فَمُكَ فَمُ دُبٍّ، وَلَا شَفَتَاكَ كَشَفَتَيْ كَلْبٍ، وَلَا خَدُّكَ خَدُّ ذِئْبٍ إِلَّا عَلَى الْمُشَاتَمَةِ، كَمَا يَرْمِي الرَّامِي الْإِنْسَانَ بِمَا لَيْسَ فِيهِ فَإِذَا كَانَ مَا ذَكَرْنَا عَلَى مَا وَصَفْنَا ثَبَتَ عِنْدَ الْعُقَلَاءِ وَأَهْلِ التَّمْيِيزِ، أَنَّ مَنَ رَمَى أَهْلَ الْآثَارِ الْقَائِلِينَ بِكِتَابِ رَبِّهِمْ وَسُنَّةِ نَبِيِّهِمْ ﷺ بِالتَّشْبِيهِ فَقَدَ قَالَ الْبَاطِلَ وَالْكَذِبَ، وَالزُّورَ وَالْبُهْتَانَ، وَخَالَفَ الْكِتَابَ وَالسُّنَّةَ، وَخَرَجَ مِنْ لِسَانِ الْعَرَبِ وَزَعَمَتِ الْمُعَطِّلَةُ مِنَ الْجَهْمِيَّةِ: أَنَّ مَعْنَى الْوَجْهِ الَّذِي ذَكَرَ اللَّهُ فِي الْآيِ: الَّتِي تَلَوْنَا مِنْ كِتَابِ اللَّهِ، وَفِي الْأَخْبَارِ الَّتِي رُوِّينَا عَنِ النَّبِيِّ ﷺ كَمَا تَقُولُ الْعَرَبُ: وَجْهُ الْكَلَامِ، وَوَجْهُ الدَّارِ، فَزَعَمَتْ لِجَهْلِهَا بِالْعِلْمِ أَنَّ مَعْنَى قَوْلِهِ: وَجْهُ اللَّهِ: كَقَوْلِ الْعَرَبِ: وَجْهُ الْكَلَامِ، وَوَجْهُ الثَّوْبِ، وَوَجْهُ الدَّارِ، وَوَجْهُ الثَّوْبِ، وَزَعَمَتْ أَنَّ الْوُجُوهَ مِنْ صِفَاتِ الْمَخْلُوقِينَ وَهَذِهِ فَضِيحَةٌ فِي الدَّعْوَى، وَوُقُوعٌ فِي أَقْبَحِ مَا زَعَمُوا أَنَّهُمْ يَهْرَبُونَ مِنْهُ، فَيُقَالُ لَهُمْ: أَفَلَيْسَ كَلَامُ بَنِي آدَمَ، وَالثِّيَابُ وَالدُّورُ مَخْلُوقَةً؟، فَمَنْ زَعَمَ مِنْكُمْ أَنَّ مَعْنَى قَوْلِهِ: ﴿وَجْهُ اللَّهِ﴾ [البقرة: ١١٥]: كَقَوْلِ الْعَرَبِ: وَجْهُ الْكَلَامِ، وَوَجْهُ الْكَلَامِ، وَوَجْهُ الثَّوْبِ، وَوَجْهُ الدَّارِ، أَلَيْسَ قَدْ شَبَّهَ - عَلَى أَصْلِكُمْ - وَجْهَ اللَّهِ بِوَجْهِ الْمُوتَانِ؟ لِزَعْمِكُمْ - يَا جَهَلَةُ - أَنَّ ⦗٥٧⦘ مَنْ قَالَ مِنْ أَهْلِ السُّنَّةِ وَالْآثَارِ، الْقَائِلِينَ بِكِتَابِ رَبِّهِمْ وَسُنَّةِ نَبِيِّهِمْ ﷺ لِلَّهِ وَجْهٌ وَعَيْنَانِ، وَنَفَسٌ، وَأَنْ يُبْصِرَ وَيَرَى وَيَسْمَعَ: أَنَّهُ مُشَبِّهٌ عِنْدَكُمْ خَالِقَهُ بِالْمَخْلُوقِينَ، حَاشَا لِلَّهِ أَنْ يَكُونَ أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ السُّنَّةِ وَالْأَثَرِ شَبَّهَ خَالِقَهُ بأَحَدٍ مِنَ الْمَخْلُوقِينَ فَإِذَا كَانَ عَلَى مَا زَعَمْتُمْ بِجَهْلِكُمْ، فَأَنْتُمْ شَبَّهْتُمْ مَعْبُودَكُمْ بِالْمُوتَانِ نَحْنُ نُثْبِتُ لِخَالِقِنَا جَلَّ وَعَلَا صِفَاتِهِ الَّتِي وَصَفَ اللَّهُ ﷿ بِهَا نَفْسَهُ فِي مُحْكَمِ تَنْزِيلِهِ، أَوْ عَلَى لِسَانِ نَبِيِّهِ الْمُصْطَفَى ﷺ مِمَّا ثَبَتَ بِنَقْلِ الْعَدْلِ عَنِ الْعَدْلِ مَوْصُولًا إِلَيْهِ وَنَقُولُ كَلَامًا مَفْهُومًا مَوْزُونًا، يَفْهَمُهُ كُلُّ عَاقِلٍ نَقُولُ: لَيْسَ إِيقَاعُ اسْمِ الْوَجْهِ لِلْخَالِقِ الْبَارِئِ بِمُوجِبٍ عِنْدَ ذَوِي الْحِجَا وَالنُّهَى أَنَّهُ يُشَبِّهُ وَجْهَ الْخَالِقِ بِوُجُوهِ بَنِي آدَمَ قَدْ أَعْلَمَنَا اللَّهُ جَلَّ وَعَلَا فِي الْآيِ الَّتِي تَلَوْنَاهَا قَبْلُ أَنَّ اللَّهَ وَجْهًا، ذَوَّاهُ بِالْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ، وَنَفَى الْهَلَاكَ عَنْهُ، وَخَبَّرْنَا فِي مُحْكَمِ تَنْزِيلِهِ أَنَّهُ يَسْمَعُ وَيَرَى، فَقَالَ جَلَّ وَعَلَا لِكَلِيمِهِ مُوسَى وَلِأَخِيهِ هَارُونَ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمَا: ﴿إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعَ وَأَرَى﴾ [طه: ٤٦]، وَمَا لَا يَسْمَعُ وَلَا يُبْصِرُ: كَالْأَصْنَامِ، الَّتِي هِيَ مِنَ الْمُوتَانِ أَلَمْ تَسْمَعْ مُخَاطَبَةَ خَلِيلِ اللَّهِ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ أَبَاهُ: ﴿يَا أَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ مَا لَا يَسْمَعُ وَلَا يُبْصِرُ وَلَا يُغْنِي عَنْكَ شَيْئًا﴾ [مريم: ٤٢]؟ أَفَلَا يَعْقِلُ - يَا ذَوِي الْحِجَا - مَنْ ⦗٥٨⦘ فَهِمَ عَنِ اللَّهِ ﵎ هَذَا: أَنَّ خَلِيلَ اللَّهِ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَسَلَامُهُ لَا يُوَبِّخُ أَبَاهُ عَلَى عِبَادَةِ مَا لَا يَسْمَعُ وَلَا يُبْصِرُ، ثُمَّ يَدْعُو إِلَى عِبَادَةِ مَنْ لَا يَسْمَعُ وَلَا يُبْصِرُ، وَلَوْ قَالَ الْخَلِيلُ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ لِأَبِيهِ: أَدْعُوكَ إِلَى رَبِّي الَّذِي لَا يَسْمَعُ وَلَا يُبْصِرُ، لَأَشْبَهَ أَنْ يَقُولَ: فَمَا الْفَرْقُ بَيْنَ مَعْبُودِكَ وَمَعْبُودِي؟ وَاللَّهُ قَدْ أَثْبَتَ لِنَفْسِهِ أَنَّهُ يَسْمَعُ وَيَرَى، وَالْمُعَطِّلَةُ مِنَ الْجَهْمِيَّةِ تُنْكِرُ كُلَّ صِفَةٍ لِلَّهِ جَلَّ وَعَلَا وَصَفَ بِهَا نَفْسَهُ فِي مُحْكَمِ تَنْزِيلِهِ، أَوْ عَلَى لِسَانِ نَبِيِّهِ ﷺ لِجَهْلِهِمْ بِالْعِلْمِ، وَقَالَ ﷿: ﴿أَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ أَفَأَنْتَ تَكُونُ عَلَيْهِ وَكِيلًا أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلًا﴾ [الفرقان: ٤٤] فَأَعْلَمَ اللَّهُ ﷿ أَنَّ مَنْ لَا يَسْمَعُ وَلَا يَعْقِلُ كَالْأَنْعَامِ، بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلًا، فَمَعْبُودُ الْجَهْمِيَّةِ عَلَيْهِمْ لَعَائِنُ اللَّهِ كَالْأَنْعَامِ الَّتِي لَا تَسْمَعُ وَلَا تُبْصِرُ وَاللَّهُ قَدْ ثَبَتَ لِنَفْسِهِ: أَنَّهُ يَسْمَعُ وَيَرَى، وَالْمُعَطِّلَةُ مِنَ الْجَهْمِيَّةِ تُنْكِرُ كُلَّ صِفَةٍ لِلَّهِ وَصَفَ بِهَا نَفْسَهُ فِي مُحْكَمِ تَنْزِيلِهِ، أَوْ عَلَى لِسَانِ نَبِيِّهِ ﷺ لِجَهْلِهِمْ بِالْعِلْمِ، وَذَلِكَ أَنَّهُمْ وَجَدُوا فِي الْقُرْآنِ أَنَّ اللَّهَ قَدْ أَوْقَعَ أَسْمَاءً مِنْ أَسْمَاءِ صِفَاتِهِ عَلَى بَعْضِ خَلْقِهِ، فَتَوَهَّمُوا لِجَهْلِهِمْ بِالْعِلْمِ أَنَّ مَنْ وَصَفَ اللَّهُ بِتِلْكَ الصِّفَةِ الَّتِي وَصَفَ اللَّهُ بِهَا ⦗٥٩⦘ نَفْسَهُ، قَدْ شَبَّهَهُ بِخَلْقِهِ، فَاسْمَعُوا يَا ذَوِي الْحِجَا مَا أُبَيِّنُ مِنْ جَهْلِ هَؤُلَاءِ الْمُعَطِّلَةِ أَقُولُ: وَجَدْتُ اللَّهَ وَصَفَ نَفْسَهُ فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ مِنْ كِتَابِهِ، فَأَعْلَمَ عِبَادَهُ الْمُؤْمِنِينَ أَنَّهُ سَمِيعٌ بَصِيرٌ، فَقَالَ: ﴿وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ﴾ [الشورى: ١١]، وَذَكَرَ ﷿ الْإِنْسَانَ فَقَالَ: ﴿فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعًا بَصِيرًا﴾ [الإنسان: ٢]، وَأَعْلَمَنَال جَلَّ وَعَلَا أَنَّهُ يَرَى، فَقَالَ: ﴿وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونِ﴾ [التوبة: ١٠٥]، وَقَالَ لِمُوسَى وَهَارُونَ ﵉: ﴿إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى﴾ [طه: ٤٦]، فَأَعْلَمَ ﷿ أَنَّهُ يَرَى أَعْمَالَ بَنِي آدَمَ، وَأَنَّ رَسُولَهُ وَهُوَ بَشَرٌ يَرَى أَعْمَالَهُمْ أَيْضًا، وَقَالَ: ﴿أَلَمْ يَرَوْا إِلَى الطَّيْرِ مُسَخَّرَاتٍ فِي جَوِّ السَّمَاءِ﴾ [النحل: ٧٩] وَبَنُو آدَمَ يَرَوْنَ أَيْضًا الطَّيْرَ مُسَخَّرَاتٍ فِي جَوِّ السَّمَاءِ، وَقَالَ ﷿: ﴿وَاصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنَا﴾ [هود: ٣٧]، وَقَالَ: ﴿تَجْرِي بِأَعْيُنِنَا﴾ [القمر: ١٤]، وَقَالَ: ﴿وَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا﴾ [الطور: ٤٨]، فَثَبَّتَ رَبُّنَا ﷿ لِنَفْسِهِ عَيْنًا، وَثَبَّتَ لِبَنِي آدَمَ أَعْيُنًا، فَقَالَ: ﴿تَرَى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ ⦗٦٠⦘ الدَّمْعِ﴾ [المائدة: ٨٣] فَقَدْ خَبَّرَنَا رَبُّنَا: أَنَّ لَهُ عَيْنًا، وَأَعْلَمَنَا أَنَّ لِبَنِيَ آدَمَ أَعْيُنًا، وَقَالَ لِإِبْلِيسَ عَلَيْهِ لَعْنَةُ اللَّهِ: ﴿مَا مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدِي﴾ [ص: ٧٥]، وَقَالَ: ﴿بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ يُنْفِقُ كَيْفَ يَشَاءُ﴾ [المائدة: ٦٤]، وَقَالَ: ﴿الْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّمَاوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ﴾ [الزمر: ٦٧]، فَثَبَّتَ رَبُّنَا جَلَّ وَعَلَا لِنَفْسِهِ يَدَيْنِ، وَخَبَّرَنَا أَنَّ لِبَنِيَ آدَمَ يَدَيْنِ، فَقَالَ: ﴿ذَلِكَ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ﴾ [آل عمران: ١٨٢]، وَقَالَ: ﴿ذَلِكَ بِمَا قَدَّمَتْ يَدَاكَ﴾ [الحج: ١٠]، وَقَالَ: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللَّهَ يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ﴾ [الفتح: ١٠]، وَقَالَ: ﴿الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى﴾ [طه: ٥] وَخَبَّرَنَا: أَنَّ رُكْبَانَ الدَّوَابِّ يَسْتَوُونَ عَلَى ظُهُورِهَا، وَقَالَ فِي ذِكْرِ سَفِينَةِ نُوحٍ: ﴿وَاسْتَوَتْ عَلَى الْجُودِيِّ﴾ [هود: ٤٤]، أَفَيَلْزَمُ - ذَوِي الْحِجَا - عِنْدَ هَؤُلَاءِ الْفَسَقَةِ أَنَّ مَنْ ثَبَّتَ لِلَّهِ مَا يُثَبِّتُ اللَّهُ فِي هَذِهِ الْآيِ أَنْ يَكُونَ مُشَبِّهًا خَالِقَهُ بِخَلْقِهِ، حَاشَا اللَّهَ أَنْ يَكُونَ هَذَا تَشْبِيهًا كَمَا ادَّعَوْا لِجَهْلِهِمْ بِالْعِلْمِ ⦗٦١⦘، نَحْنُ نَقُولُ: إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ كَمَا أَعْلَمَنَا خَالِقُنَا وَبَارِئُنَا، وَنَقُولُ مَنْ لَهُ سَمْعٌ وَبَصَرٌ مِنْ بَنِي آدَمَ: فَهُوَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ، وَلَا نَقُولُ: إِنَّ هَذَا تَشْبِيهُ الْمَخْلُوقِ بِالْخَالِقِ وَنَقُولُ: إِنَّ لِلَّهِ ﷿ يَدَيْنِ، يَمِينَيْنِ لَا شِمَالَ فِيهِمَا، قَدْ أَعْلَمَنَا اللَّهُ ﵎ أَنَّ لَهُ يَدَيْنِ، وَخَبَّرَنَا نَبِيُّنَا ﷺ أَنَّهُمَا: يَمِينَانِ لَا شِمَالَ فِيهِمَا ⦗٦٢⦘، وَنَقُولُ: إِنَّ مَنْ كَانَ مِنْ بَنِي آدَمَ سَلِيمُ الْجَوَارِحِ وَالْأَعْضَاءِ فَلَهُ يَدَانِ: يَمِينٌ وَشِمَالٌ وَلَا نَقُولُ: إِنَّ يَدَ الْمَخْلُوقِينَ كَيَدِ الْخَالِقِ، عَزَّ رَبُّنَا عَنْ أَنْ تَكُونَ يَدُهُ كَيَدِ خَلْقِهِ، وَقَدْ سَمَّى اللَّهُ لَنَا نَفْسَهُ عَزِيزًا، وَسَمَّى بَعْضَ الْمُلُوكِ عَزِيزًا، فَقَالَ: ﴿وَقَالَ نِسْوَةٌ فِي الْمَدِينَةِ امْرَأَةُ الْعَزِيزِ تُرَاوِدُ فَتَاهَا عَنْ نَفْسِهِ﴾ [يوسف: ٣٠]، وَسَمَّى أُخُوَّةُ يُوسُفَ أَخَاهُمْ يُوسُفَ: عَزِيزًا، فَقَالُوا: ﴿يَا أَيُّهَا الْعَزِيزُ إِنَّ لَهُ أَبًا شَيْخًا كَبِيرًا﴾ [يوسف: ٧٨]، وَقَالَ ⦗٦٣⦘: ﴿قَالُوا يَا أَيُّهَا الْعَزِيزُ مَسَّنَا وَأَهْلَنَا الضُّرُّ﴾ [يوسف: ٨٨]، فَلَيْسَ عِزَّةُ خَالِقِنَا الْعِزَّةَ الَّتِي هِيَ صِفَةٌ مِنْ صِفَاتِ ذَاتِهِ، كَعِزَّةِ الْمَخْلُوقِينَ الَّذِينَ أَعَزَّهُمُ اللَّهُ بِهَا، وَلَوْ كَانَ كُلُّ اسْمٍ سَمَّى اللَّهُ لَنَا بِهِ نَفْسَهُ وَأَوْقَعَ ذَلِكَ الِاسْمَ عَلَى بَعْضِ خَلْقِهِ: كَانَ ذَلِكَ تَشْبِيهَ الْخَالِقِ بِالْمَخْلُوقِ عَلَى مَا تَوَهَّمَ هَؤُلَاءِ الْجَهَلَةُ مِنَ الْجَهْمِيَّةِ، لَكَانَ كُلُّ مَنْ قَرَأَ الْقُرْآنَ وَصَدَّقَهُ بِقَلْبِهِ أَنَّهُ قُرْآنٌ وَوَحْيٌ، وَتَنْزِيلٌ، قَدْ شَبَّهَ خَالِقَهُ بِخَلْقِهِ وَقَدْ أَعْلَمَنَا رَبُّنَا تَبَارَكَ تَعَالَى أَنَّهُ الْمَلِكُ، وَسَمَّى بَعْضَ عَبِيدِهِ مَلِكًا فَقَالَ: ﴿وَقَالَ الْمَلِكُ ائْتُونِي بِهِ﴾ [يوسف: ٥٠]، وَأَعْلَمَنَا ﷻ أَنَّهُ الْعَظِيمُ، وَسَمَّى بَعْضَ عَبِيدِهِ عَظِيمًا، فَقَالَ: ﴿وَقَالُوا لَوْلَا نُزِّلَ هَذَا الْقُرْآنُ عَلَى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ﴾ [الزخرف: ٣١]، وَسَمَّى اللَّهُ بَعْضَ خَلْقِهِ عَظِيمًا فَقَالَ: ﴿وَهُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ﴾ [التوبة: ١٢٩]، فَاللَّهُ الْعَظِيمُ، وَأَوْقَعَ اسْمَ الْعَظِيمِ عَلَى عَرْشِهِ، وَالْعَرْشُ مَخْلُوقٌ، وَرَبُّنَا الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ، فَقَالَ: ﴿السَّلَامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ﴾ [الحشر: ٢٣]، وَسَمَّى بَعْضَ الْكُفَّارِ مُتَكَبِّرًا جَبَّارًا، فَقَالَ: ﴿كَذَلِكَ يَطْبَعُ اللَّهُ عَلَى كُلِّ قَلْبِ مُتَكَبِّرٍ جُبَارٍ﴾ [غافر: ٣٥]
⦗٦٤⦘ وَبَارِئُنَا ﷿ الْحَفِيظُ الْعَلِيمُ، وَخَبَّرَنَا أَنَّ يُوسُفَ ﵇ قَالَ لِلْمَلِكِ: ﴿اجْعَلْنِي عَلَى خَزَائِنِ الْأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ﴾ [يوسف: ٥٥]، وَقَالَ: ﴿وَبَشِّرُوهُ بِغُلَامٍ عَلِيمٍ﴾ [الذاريات: ٢٨]، وَقَالَ: ﴿بِغُلَامٍ حَلِيمٍ﴾ [الصافات: ١٠١]، فَالْحَلِيمُ وَالْعَلِيمُ اسْمَانِ لِمَعْبُودِنَا جَلَّ وَعَلَا، قَدْ سَمَّى بِهِمَا بَعْضَ بَنِي آدَمَ، وَلَوْ لَزِمَ - يَا ذَوِي الْحِجَا - أَهْلَ السُّنَّةِ وَالْآثَارِ إِذًا أَثْبَتُوا لِمَعْبُودِهِمْ يَدَيْنِ كَمَا ثَبَّتْهُمَا اللَّهُ لِنَفْسِهِ وَثَبَّتُوا لَهُ نَفْسًا عَزَّ رَبُّنَا وَجَلَّ، وَإِنَّهُ سَمِيعٌ بَصِيرٌ، يَسْمَعُ وَيَرَى، مَا ادَّعَى هَؤُلَاءِ الْجَهَلَةُ عَلَيْهِمْ أَنَّهُمْ مُشَبِّهَةٌ، لَلَزِمَ كُلُّ مَنْ سَمَّى اللَّهُ مَلِكًا، أَوْ عَظِيمًا، وَرَءُوفًا، وَرَحِيمًا، وَجَبَّارًا، وَمُتَكَبِّرًا، أَنَّهُ قَدْ شَبَّهَ خَالِقَهُ ﷿ بِخَلْقِهِ، حَاشَا لِلَّهِ أَنْ يَكُونَ مَنْ وَصَفَ اللَّهُ عَزَّ وَعَلَا بِمَا وَصَفَ اللَّهُ بِهِ نَفْسَهُ، فِي كِتَابِهِ، أَوْ عَلَى لِسَانِ نَبِيِّهِ الْمُصْطَفَى ﷺ مُشَبِّهًا خَالِقَهُ بِخَلْقِهِ ⦗٦٥⦘ فَأَمَّا احْتِجَاجُ الْجَهْمِيَّةِ عَلَى أَهْلِ السُّنَّةِ وَالْآثَارِ فِي هَذَا النَّحْوِ بِقَوْلِهِ: ﴿لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ﴾ [الشورى: ١١]، فَمَنِ الْقَائِلُ إِنَّ لِخَالِقِنَا مِثْلًا؟ أَوْ إِنَّ لَهُ شَبِيهًا؟ وَهَذَا مِنَ التَّمْوِيهِ عَلَى الرِّعَاعِ وَالسُّفْلِ، يُمَوِّهُونَ هَذَا عَلَى الْجُهَّالِ، يُوهِمُونَهُمْ أَنَّ مَنْ وَصَفَ اللَّهَ بِمَا وَصَفَ بِهِ نَفْسَهُ فِي مُحْكَمِ تَنْزِيلِهِ أَوْ عَلَى لِسَانِ نَبِيِّهِ ﷺ فَقَدْ شَبَّهَ الْخَالِقَ بِالْمَخْلُوقِ، وَكَيْفَ يَكُونُ - يَا ذَوِي الْحِجَا - خَلْقُهُ مِثْلَهُ؟ نَقُولُ: اللَّهُ الْقَدِيمُ لَمْ يَزَلْ، وَالْخَلْقُ مُحْدَثٌ مَرْبُوبٌ، وَاللَّهُ الرَّازِقُ، وَالْخَلْقُ مَرْزُوقُونَ، وَاللَّهُ الدَّائِمُ الْبَاقِي وَخَلْقُهُ هَالِكٌ غَيْرُ بَاقٍ، وَاللَّهُ الْغَنِيُّ عَنْ جَمِيعِ خَلْقِهِ، وَالْخَلْقُ فُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ خَالِقِهِمْ، وَلَيْسَ فِي تَسْمِيَتِنَا بَعْضَ الْخَلْقِ بِبَعْضِ أَسَامِي اللَّهِ بِمُوجِبٍ عِنْدَ الْعُقَلَاءِ الَّذِينَ يَعْقِلُونَ عَنِ اللَّهِ خِطَابَهُ أَنْ يُقَالَ: إِنَّكُمْ شَبَّهْتُمُ اللَّهَ بِخَلْقِهِ، إِذْ أَوْقَعْتُمْ أَسَامِيَ اللَّهِ عَلَى خَلْقِهِ، وَهَلْ يُمْكِنُ عِنْدَ هَؤُلَاءِ الْجُهَّالِ حَلُّ هَذِهِ الْأَسَامِي مِنَ الْمَصَاحِفِ أَوْ مَحْوُهَا مِنْ صُدُورِ أَهْلِ الْقُرْآنِ؟ أَوْ تَرْكُ تِلَاوَتِهَا فِي الْمَحَارِيبِ وَفِي الْجُدُورِ وَالْبُيُوتِ؟ أَلَيْسَ قَدْ أَعْلَمَنَا مُنَزِّلُ الْقُرْآنِ عَلَى نَبِيِّهِ ﷺ أَنَّهُ الْمَلِكُ؟ وَسَمَّى بَعْضَ عَبِيدِهِ مَلِكًا، وَخَبَّرَنَا أَنَّهُ السَّلَامُ، وَسَمَّى تَحِيَّةَ الْمُؤْمِنِينَ بَيْنَهُمْ سَلَّامًا فِي الدُّنْيَا وَفِي الْجَنَّةِ، فَقَالَ: ﴿تَحِيَّتُهُمْ يَوْمَ يَلْقَوْنَهُ سَلَّامٌ﴾ [الأحزاب: ٤٤]، وَنَبِيُّنَا الْمُصْطَفَى ﷺ قَدْ كَانَ يَقُولُ يَوْمَ فَرَاغِهِ ⦗٦٦⦘ مِنْ تَسْلِيمِ الصَّلَاةِ: «اللَّهُمَّ أَنْتَ السَّلَامُ، وَمِنْكَ السَّلَامُ»، وَقَالَ ﷿: ﴿وَلَا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقَى إِلَيْكُمُ السَّلَامَ لَسْتَ مُؤْمِنًا﴾ [النساء: ٩٤] فَثَبَتَ بِخَبَرِ اللَّهِ أَنَّ اللَّهَ هُوَ السَّلَامُ، كَمَا فِي قَوْلِهِ: ﴿السَّلَامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ﴾ [الحشر: ٢٣]، وَأَوْقَعَ هَذَا الِاسْمَ عَلَى غَيْرِ الْخَالِقِ الْبَارِئِ، وَأَعْلَمَنَا ﷿ أَنَّهُ الْمُؤْمِنُ، وَسَمَّى بَعْضَ عِبَادِهِ الْمُؤْمِنِينَ، فَقَالَ: ﴿إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ﴾ [الأنفال: ٢]، وَقَالَ: ﴿إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ﴾ [النور: ٦٢] الْآيَةَ، وَقَالَ: ﴿وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا﴾ [الحجرات: ٩]، وَقَالَ: ﴿إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ﴾ [الأحزاب: ٣٥]، وَقَدْ ذَكَرْنَا قَبْلُ أَنَّ اللَّهَ خَبَّرَ أَنَّهُ سَمِيعٌ بَصِيرٌ، وَقَدْ أَعْلَمَنَا أَنَّهُ جَعَلَ الْإِنْسَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا، فَقَالَ: ﴿هَلْ أَتَى عَلَى الْإِنْسَانِ ⦗٦٧⦘ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ﴾ [الإنسان: ١] إِلَى قَوْلِهِ: ﴿فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعًا بَصِيرًا﴾ [الإنسان: ٢] وَاللَّهُ الْحَكَمُ الْعَدْلُ، وَخَبَّرَنَا نَبِيُّنَا ﷺ " أَنَّ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ يَنْزِلُ قَبْلَ قِيَامِ السَّاعَةِ حَكَمًا عَدْلًا وَإِمَامًا مُقْسِطًا، وَالْمُقْسِطُ أَيْضًا اسْمٌ مِنْ أَسَامِي اللَّهِ ﷿
1 / 51