الحديث بالبصرة، ثم انه رجع إلى بغداد فتاب من عقيدته وانتسب إلى الإمام أحمد وغيره من السلف وانتصر لطريقة أحمد كما ذكر ذلك الأشعري في كتبه التي صنفها ومنها كتابه الإبانة الذي سماه في أصول الديانة، وكتابه الذي صنفه في اختلاف المضلين ومقالات الإسلاميين، وكما قاله أبو اسحق الشيرازي إنما حل الأشعري في قلوب الناس لانتسابه إلى الحنابلة، وكان أئمة الحنبلية المتقدمين كأبي بكر عبد العزيز وأبي الحسين التميمي ونحوهما يذكرون كلام الأشعري ورجوعه وتوبته في كتبهم وتفقه على أبي اسحق المروزي الحنبلي وأخذ عن حنبيلة بغداد أمورا من العقائد وسائر العلوم الشرعية، وكان ذلك آخر أمره كما ذكره هو أصحابه في كتبهم.
ومن أجل أصحابه القاضي أبو بكر محمد بن الطيب الباقلافي المتكلم فهو أفضل المتكلمين المنتسبين إلى الأشعري ليس في مثله لا قبله ولا بعده وقد تاب عن عقيدته وما يقول أهل الكلام ورجع إلى سلف الأمة وخيارها، ذكره ابن الصلاح والشيخ تقي الدين وغيرهما فالمنتسبون إليه لم رجعوا كما رجع، بل خاضوا في علم الكلام حتى زعموا أن النصوص عارضها من معقولاتهم ما يجب تقديمه وهم حيارى في أصول مسائل التوحيد. ولهذا كثير منهم لما لم يتبين له الهدى نكص على عقبيه فاشتغل باتباع شهوات الغي في بطنه وفرجه أو رياسته وماله ونحو ذلك لعدم العلم واليقين بما كان عليه السلف الصالح، وفي الحديث المأثور: "إن أخوف ما أخاف عليكم شهوات الغي في بطونكم وفروجكم ومعضلات الغث في قلوبكم" وهؤلاء المعرضون عن الطريقة النبوية يجتمع فيهم هذا وهذا. فهم بخلاف الفرقة المستثناة.
(ومنها) أن غالب ما يعتمدونه يؤول إلى دعوى لا حقيقة لها، أو شبهة مركبة من قياس فاسد، أو قضية كلية لا تصح إلا جزئية أو دعوى اجماع لا حقيقة له والتمسك في المذهب والدليل بالألفاظ المشتركة (وإذا كان فحول النظر) وشياطين الفلسفة الذين بلغوا في الذكاء والنظر إلى الغاية وهم ليلهم ونهارهم يكدحون في معرفة هذه العقليات ثم لم يصلوا فيها إلا إلى حيرة وارتياب، وأما إلى الاختلاف بين الأحزاب، فكيف غيرهم المقلدون لهم ممن لم يبلغ مبلغهم في الذهن والذكاء ومعرفة ما سلكوه، أم كيف يكون هؤلاء المقلدون للمتكلمين الذين قد كثر في باب الدين اضطرابهم وغلظ عن معرفة الله حجابهم، وأخبر الواقف على نهاية أقدامهم بما انتهى
Shafi 62