صلى الله عليه وسلم: "لقد تركتكم على البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها بعدي إلا هالك" وقال: "ما تركت من شيء يقربكم إلى الجنة إلا وقد حدثتكم به ولا من شيء يقربكم من النار إلا وقد حدثتكم به" وقال: "ما بعث الله من نبي إلا كان حقا عليه أن يدل أمته على خير ما يعلمه خيرا لهم، وينهاهم عن شر ما يعلمه شرا لهم".
وهذا يعلم تفاصيله بالبحث والنظر والتتبع والاستقراء والطلب لعلم هذه المسائل في الكتاب والسنة وكلام صالح سلف الأمة، فمن طلب ذلك وجد في الكتاب والسنة من النصوص القاطعة للعذر في ذلك ما فيه غاية الهدى والبيان والشفاء وذلك يكون بشيئين:
أحدهما: معرفة معاني الكتاب والسنة.
والثاني: معرفة معاني الألفاظ التي ينطق بها المختلفون، حتى يحسن أن يطيق التمييز بين معاني التنزيل ومعاني أهل الحوض في أصول الدين، فحينئذ يبين له أن الكتاب حاكم بين الناس فيما اختلفوا فيه كما قال تعالى: {كان الناس أمة واحدة فبعث الله النبيين مبشرين ومنذرين وأنزل معهم الكتاب بالحق ليحكم بين الناس فيما اختلفوا فيه وما اختلف فيه إلا الذين أوتوه من بعد ما جاءتهم البينات بغيا بينهم فهدى الله الذين آمنوا لما اختلفوا فيه من الحق بإذنه والله يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم} وقال تعالى: {وما اختلفتم فيه من شيء فحكمه إلى الله} وقال تعالى: {فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول} وقال تعالى: {ألم تر إلى الذين يزعمون أنهم آمنوا بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك يريدون أن يتحاكموا إلى الطاغوت وقد أمروا أن يكفروا به ويريد الشيطان أن يضلهم ضلالا بعيدا وإذا قيل لهم تعالوا إلى ما أنزل الله وإلى الرسول رأيت المنافقين يصدون عنك صدودا} فكل العبارات من الألفاظ المجملة المتشابهة المشتملة على حق وباطل. كان السلف والأئمة ينهون عن إطلاق موارد النزاع بالنفي والإثبات لأن في إثباتها إثبات حق وباطل وفي نفيها نفي حق وباطل، فيمتنع من كلا الاطلاقين تقليدا وغيره وليس ذلك لحلو النقيضين عن الحق ولا قصورا أو تقصيرا في بيانه، وإنما هو لقطع المادة بخلاف النصوص الإلهية. فإن فيها
Shafi 56