19_ التحرز والتيقظ من العدو: فإذا تاب العبد، وأدرك ما هو فيه من الخطأ، وندم على ما كان منه من التفريط_أوجب له ذلك تمام التحرز، والتيقظ؛ فيعلم من أين يدخل عليه اللصوص، والقطاع؟ ويعرف مكامنهم، ومن أين يخرجون عليه؟ ومتى يخرجون؟ فهو قد استعد لهم، وتأهب، وعرف بماذا يستدفع شرهم وكيدهم؛ فلو أنه مر عليهم على غرة وطمأنينة لم يأمن أن يظفروا به، ويجتاحوه جملة.
20_ التوبة سبيل لإغاظة الشيطان ومراغمته: فالقلب يذهل عن عدوه؛ فإذا أصابه منه مكروه استجمعت له قوته، وطلب بثأره إن كان قلبه حرا كريما، كالرجل الشجاع إذا جرح فإنه لا يقوم له شيء، بل تراه بعدها هائجا، طالبا، مقداما.
والقلب المهين كالرجل الضعيف المهين؛ إذا جرح ولى هاربا، والجراحات في أكتافه.
وكذلك الأسد إذا جرح فإنه لا يطاق؛ فلا خير فيمن لا مروءة له، لا يطلب أخذ ثأره من أعدى عدو له؛ فما شيء أشفى للقلب من أخذه بثأره من عدوه، ولا عدو أعدى له من الشيطان؛ فإن كان له قلب من قلوب الرجال المتسابقين في حلبة المجد جد في أخذ الثأر، وغاظ عدوه كل الغيظ وأضناه، حتى يقول الشيطان يا ليتني لم أوقعه فيما أوقعته فيه؛ فيندم الشيطان على إيقاعه في الذنب كندامة فاعله على ارتكابه، لكن شتان ما بين الندمين.
وقد جاء عن بعض السلف أنه قال: =إن المؤمن لينضي شيطانه كما ينضي أحدكم بعيره+(54).
والله_عز وجل_يحب من عبده مراغمة عدوه وغيظه.
وهذه العبودية من أسرار التوبة؛ فيحصل من العبد مراغمة العدو بالتوبة، والتدارك، وحصول محبوب الله من التوبة وما يتبعها من زيادة الأعمال_ما يوجب جعل مكان السيئة حسنة، بل حسنات.
21_ معرفة الشر؛ حذر الوقوع فيه: فالذي يقع في الذنب يصير كالطبيب ينتفع به المرضى في علاجهم ودوائهم؛ فالطبيب الذي عرف المرض مباشرة، وعرف دواءه وعلاجه_أحذق وأخبر من الطبيب الذي عرف الداء وصفا فحسب.
Shafi 19