ما أقدر أن أقول توكلت على الله (١).
وهذا منهما يدل على حقيقة التوكل (٢).
والدلالة على صحة التوكل مع التعلق بالأسباب قوله تعالى: ﴿فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ﴾ [الملك: ١٥]. وقوله: ﴿فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللهِ﴾ [الجمعة: ١٠]. وقوله تعالى: ﴿لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبِّكُمْ﴾ [البقرة: ١٩٨].
وهذا كله يدل على الحث على الأسباب، فلو كان ذلك قادحًا في التوكل لم
يحث عليه (٣).
وكذلك قوله تعالى: ﴿لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ﴾ [النساء: ٢٩].
ويدل عليه ما روت عائشة رضوان الله عليها وعلى أبيها عن النبي ﷺ يقال: "أطيبُ ما أكل الرجلُ من كسبه". ورُوي: "أفضلُ ما كل الرجلُ من كسبه" (٤). وروى أبو هريرة عن النبي ﷺ قال: "كان داود ﵇ يأكل من عمل يده" (٥). ورُوي
_________
(١) رواه عنه: ابن أبي الدنيا في كتاب التوكل (رقم ٤٩) وأبو نعيم في الحلية (١٥/ ١٤٧) بلفظ: ما أعلم أنِّي توكلت على الله ساعةً قط.
(٢) كلام المؤلف هذا يدل على إقراره لكلام أبي سليمان، وقد تقدم أن كلام أبي سليمان خلاف السنة.
(٣) هذا يدل على أن المؤلف يرى أن الأخذ بالأسباب مع التوكل على الله هو الصحيح الموافق للكتاب والسنة، وما ذكره هو قول أهل السنة والجماعة قاطبةً.
(٤) أخرجه: أحمد في مسنده (٦/ ٣١)، وأبو داود (رقم ٣٥٢٨)، والنسائي (رقم ٤٤٥١)، وابن ماجة (رقم ٢١٣٧)، وصححه ابن حبان (رقم ٤٢٦٥)، والحاكم (رقم ٢٢٩٥)، والألباني في كتابه إرواء الغليل (رقم ٨٣٥).
(٥) أخرجه: أبو بكر الخلال في كتاب الحث على التجارة (رقم ٦٦) بهذا اللفظ، =
1 / 41