فصل
في حقيقة التوكل في الرزق
فهو: ألا تتشرف نفسُه إلى أحدٍ من الناس؛ بل يعلم أنه لا يرزق سواه، ولا يَضر ولا يَنفع شيءٌ إلابإذنه.
والتعلق بالأسباب (١) ليس من ضعف التوكل (٢) وإنما هو بلاءٌ من الطبع.
_________
(١) لعل المؤلف هنا لم يرد: تعلق القلب بالسبب؛ لأن هذا يضعف التوكل، أو يبطله. وإنما أراد: الأخذ بالأسباب المشروعة مع توكل القلب على الله ﷿.
(٢) تعرض المؤلف هنا إلى أهم مسألة في باب التوكل، وهي علاقة الأسباب بالتوكل، والتي ضل فيها كثير من الناس؛ وملخص المسألة ما يلي:
اختلفت مواقف الناس في مسألة فعل الأسباب، والجمع بينها وبين التوكل على الله:
١ - قومٌ تعلقت قلوبهم بالأسباب المادية، فهم يفعلون الأسباب الموصلة إلى مصالحهم الدنيوية، وقلوبهم لاهية عن ربهم سبحانه. فهؤلاء أبعد الناس عن التوكل على الله تعالى.
ومن هؤلاء من يرى أن الأسباب تؤثر بنفسها، لا يجعل الله لها مؤثرةً!! وهذا شرك في الربوبية.
٢ - قومٌ يدَّعون الإعراض عن الأسباب، ويقولون: إن التوكل على الله تعالى لا يتحقق إلا بمحو الأسباب، يعني بتركها، أو اعتقاد عدم تأثيرها، وهم بذلك يعارضون الفطرة التي فطرهم الله عليها، كما يخالفون مقتضى العقل، ولذا قيل: محو الأسباب أن تكون أسبابًا قدح في العقل. وهذا قول كثير من المتصوفة، الذين يجعلون الأخذ بالأسباب ملغيًا للتوكل، وسيذكر المصنف الرد على من أنكر الأخذ بالأسباب، ومنه ترك التزود. وبين أن هذا من أقوال أهل البدع. =
1 / 37