[كتابه إلى خواص أصحابه]
بسم الله الرحمن الرحيم. أما بعد:
فإن الله جل ثناؤه بعظمته ألزم نفسه علم الغيوب عن خلقه لعلمه أنها لا تصلح إلا له، ثم أنشأ خلقه بلا عون، ودبر أمره بلا ظهير، ابتدع ما أنشأ على غير مثال من معبود كان قبله، ثم اختار لتفضيله بعلمه من ملائكته ورسله من ائتمنه على أسرار غيوبه، لم تلاحظه في الملكوت عين ناظرة، ولا يد لامسة، متفرد بما دبر، ذلكم الله رب العالمين .
إلى أن أخرج محمدا صلى الله عليه وآله وسلم من خير نسله ذوي العزم من الرسل تناسخه دوارج الأصلاب، وتحفه طواهر الأرحام، مبرأ من كل عهر، مطهرا من كل سفاح، تؤديه زواكي الأصلاب إلى مطهرات الأرحام، حتى استخرجه خير جنين، وأصحبه خير قرين، أرسله بنور الضياء إلى أهل الظلم والكفر.
وقد نسكوا وذبحوا للأصنام واستقسموا بالأزلام، مترددون في حيرة الضلالة، كلما ازدادوا «في ضلالهم جهلا» وفي عبادتهم جهدا ازدادوا من الله بعدا، حتى تصرمت عنهم مدة البلاء بقيام محمد صلى الله عليه وآله وسلم فيهم يدعوهم إلى النجاة، ويضمن لهم الظفر في الدنيا الماضية وحسن المثوبة في الآخرة، ويخبرهم عن القرون الماضيةكيف نجا من نجا منهم بالاستجابة لرسلهم، وكيف بعث العذاب على من تولى منهم، وسألهم أن ينظروا إلى آثارهم وديارهم خاوية على عروشها، كيف تركوها وما فيها؟ فقال: يا قوم احذروا مثل دأب قوم نوح وعاد وثمود، فأبوا إلا التكذيب بالتوحيد، واستعظموا أن يجعلوا الآلهة إلها واحدا.
Shafi 384