وكتاب «السنن النفسية لتطور الأمم» عظيم الشأن، وهو لهذا العظم اتفق له من الأثر البالغ في أقطاب السياسة ما رأوا معه اتخاذه خير رفيق لهم، حتى إن رئيس جمهورية الولايات المتحدة الأمريكية، ثيودور روزڨلت، كان يستصحبه في حله وترحاله؛ مستلهما إياه في سياسته؛ كما صرح بذلك غير مرة.
وأروع كتب لوبون الاجتماعية هو ما وضعه قبل الحرب العالمية الأولى، وما وضعه لوبون بعد تلك الحرب اعتمد فيه على مؤلفاته السابقة مكررا ما جاء فيها من المبادئ والنظريات على العموم، وقد نقلنا إلى العربية معظم تلك المؤلفات، ولا سيما «حضارة العرب، وحضارات الهند، واليهود في تاريخ الحضارات الأولى، وروح التربية، وحياة الحقائق ...»، فرأينا أن نتم عملنا فنترجم كتاب «السنن النفسية لتطور الأمم» وكتاب «روح الجماعات» أيضا، وهذا ما قمنا به فعلا؛ فبذلك نكون قد أدخلنا إلى المكتبة العربية أمهات كتب لوبون؛ التاريخية، والاجتماعية، والنفسية.
وكان لوبون قد وضع كتاب «الإنسان والمجتمعات وتاريخهما وأصولهما» في مجلدين قبل سياحاته العظيمة وقبل تأليفه كتاب «حضارة العرب» وغيره من تلك الكتب، فاستند في كتب الحضارات تلك إلى بعض القواعد المقررة في ذلك الكتاب، وقد كنا راغبين في ترجمة ذلك الكتاب أيضا لو لم نر أن لوبون غير كثيرا من آرائه وأفكاره فيه بعد رحلاته تلك، وعند تأليفه للكتب التي نقلناها، وفي هذه الكتب المترجمة - ومنها كتاب «السنن النفسية لتطور الأمم» على الخصوص - تجد عرضا وتلخيصا لما في كتاب «الإنسان والمجتمعات» ذلك من مبادئ معدلة، فلا اضطرار إلى ترجمته إذن.
وفي سنة 1913 يترجم المرحوم أحمد فتحي زغلول باشا كتاب «السنن النفسية لتطور الأمم» هذا بعنوان «سر تطور الأمم»، والموضوعات الاجتماعية كانت في ذلك الحين، كما هي الآن، غير مطروقة كثيرا، ونقابل بين الأصل الفرنسي وتلك الترجمة فنجد أن زغلول باشا، وإن بذل جهدا مشكورا في المحافظة على المعاني، لم تخل ترجمته تلك من التجوز والعجمة والغموض، فلذلك، ولنفاذ ما طبعه زغلول باشا من نسخ ترجمته، ولما وجدت من ضرورة ترجمة كتاب «السنن النفسية لتطور الأمم» ترجمة تتساوق هي وما ترجمته من كتب لوبون في السنين الأخيرة على الخصوص معتمدا على النص الفرنسي الأخير الذي توفي لوبون معولا عليه - نقلت هذا الكتاب النفيس على الوجه الذي أعرضه به على القراء، والله الموفق.
نابلس
مقدمة المؤلف في الطبعة الثانية عشرة
تطبيق ما جاء في هذا الكتاب من المبادئ على بعض حوادث الحرب الأوربية
نشر هذا الكتاب للمرة الأولى منذ عشرين سنة، ولم تنله يد التغيير قط في تلك الأثناء، وكانت غايته تعيين بعض السنن النفسية لتطور الأمم.
وما كان ليفترض حينئذ أن انقلابا عالميا سيجيء مصدقا لما اشتمل عليه هذا الكتاب من السنن التي استنبطها فيلسوف من عقدة التاريخ.
وتدل تلك السنن على أن عددا قليلا من العوامل النفسية الثابتة يسيطر على حياة الأمم فضلا عن سيطرة بعض المؤثرات التي هي وليدة تقدم الحضارة، ويرى من خلال الزمان والمكان تأثير تلك السنن في كل زمان ومكان، وكان لتلك السنن الأثر البالغ في قيام أعظم الدول، وسقوط هذه الدول.
Shafi da ba'a sani ba