Asalin Metafizikar Akida
تأسيس ميتافيزيقا الأخلاق
Nau'ikan
35
وقد كان من الطبيعي أن يؤدي عزل علية الإنسان (أي إرادته) عن كل القوانين الطبيعية التي تحكم العالم الحسي في شخص واحد بالذات إلى التناقض، ومع ذلك فإن هذا التناقض يزول لو شاءوا أن يتدبروا الأمر وأن يعترفوا منصفين بأنه لا بد وراء الظواهر من وجود الأشياء في ذاتها (وإن يكن ذلك بطريقة مستترة) التي عليها تؤسس هذه الظواهر، والتي لا يستطيع المرء أن يطلب من القوانين التي تتحكم في أفعالها أن تكون هي نفس القوانين التي تخضع لها ظواهرها.
إن استحالة تفسير الإرادة من الناحية الذاتية هي نفس الاستحالة التي [تجعل من المتعذر على المرء] أن يكتشف «المنفعة»
36 ⋆
التي يمكن أن يجدها الإنسان في القوانين الأخلاقية وأن يجعلها قريبة المنال إلى الأذهان، ومع ذلك فإنه في الواقع يجد فيها منفعة نطلق على مبدئها القائم فينا اسم العاطفة الأخلاقية، وهي العاطفة التي جعلها البعض خطأ معيارا لحكمنا الأخلاقي، في حين أنه ينبغي النظر إليها على أنها «الأثر الذاتي» الذي يحدثه القانون في الإرادة والذي يقدم العقل وحده مبادئه الموضوعية.
لكي يتيسر للكائن العاقل المتأثر في الوقت نفسه بالحساسية أن يريد ما يرسمه له العقل وحده من واجب يتعين عليه القيام به، فإن ذلك يقتضي بغير شك أن تكون للعقل ملكة قادرة على أن تغرس فيه شعور اللذة أو الرضا المرتبطين بالوفاء بالواجب، كما يقتضي تبعا لذلك أن تكون لديه علية تمكنه من تعيين الحساسية وفقا لمبادئه. غير أنه من المستحيل استحالة تامة أن نفهم؛ أعني أن نفسر بطريقة قبلية كيف يمكن فكرة بسيطة، لا تشتمل هي نفسها على أي عنصر حسي، أن تحدث شعورا باللذة أو الألم؛ ذلك لأن هذا نوع خاص من العلية، لا نستطيع في شأنه، كما لا نستطيع في شأن أية علية، أن نحدد شيئا على الإطلاق بطريقة قبلية، بل لا بد لنا من أن نسأل التجربة وحدها في ذلك، ولكن لما كانت التجربة لا تقدم لنا علاقة بين علة ونتيجة إلا إذا كانت هذه العلاقة قائمة بين موضوعين من موضوعات التجربة، وكان على العقل الخالص هنا بوساطة أفكار بسيطة (لا تقدم أي موضوع للتجربة) أن يكون هو علة لمعلول موجود بغير شك في التجربة، فإن من المستحيل علينا نحن بني الإنسان تمام الاستحالة أن نفسر كيف ولماذا يحقق لنا المنفعة شمول المسلمة بوصفها قانونا، ولا كيف ولماذا تحقق الأخلاقية تبعا لذلك المنفعة. إن الشيء الوحيد المؤكد هو أن الأخلاقية لا تكون لها قيمة بالنسبة لنا لمجرد أنها تحقق مصلحة (إذ إن هذا تنافر واعتماد من جانب العقل العملي على الحساسية، أعني على عاطفة تقوم مقام المبدأ، ومن شأنها أن تجعل العقل عاجزا عن وضع تشريع أخلاقي). بل الواقع أنها تعبر عن مصلحة لنا لأن لها قيمة عندنا من حيث إننا بشر؛ إذ كانت تنبع من إرادتنا بوصفها عقلا، وبالتالي من ذاتنا الحقيقية، «أما ما يتعلق بالظاهرة الخالصة فحسب، فإن العقل يدرجه بالضرورة تحت طبيعة الشيء في ذاته.»
وإذن فالسؤال عن كيفية إمكان قيام الأمر الأخلاقي المطلق يمكن الإجابة عليه بمقدار ما نستطيع بيان الافتراض الوحيد الذي يمكنه أن يقوم على أساسه ، ونعني به فكرة الحرية، وبمقدار تفهمنا للضرورة التي ينطوي عليها هذا الافتراض؛ الأمر الذي يكفي لضمان الاستعمال العملي للعقل؛ أي للاقتناع بصلاحية هذا الأمر المطلق، وبصلاحية القانون الأخلاقي تبعا لذلك. أما كيف يصبح هذا الافتراض نفسه ممكنا، فذلك ما لا سبيل لعقل بشري أن يفهمه أبدا. إن افتراض حرية الإرادة لدى الكائن العاقل يترتب عليه بالضرورة الاستقلال الذاتي لإرادته، من حيث هو الشرط الصوري الوحيد الذي يتيح لها أن تتعين. إن افتراض حرية الإرادة هذه (بغير الوقوع في التناقض مع مبدأ الضرورة الطبيعية في ربط ظواهر العالم الحسي) ليس أمرا ممكنا غاية الإمكان فحسب (على نحو ما تستطيع الفلسفة التأملية أن تبينه) بل إن التسليم بها من الناحية العملية؛ أي جعلها بالفكرة شرطا تقوم عليه جميع أفعاله الإرادية، أمر ضروري يحتم على الكائن العاقل، الذي يشعر عن طريق العقل بعليته كما يشعر نتيجة لذلك بإرادة (متميزة من الشهوات) أن يفترض وجودها دون أن يقيده بشرط آخر. أما «كيف يتيسر» للعقل الخالص دون دوافع أخرى أيا ما كان المصدر الذي تستمد منه، أن يصبح بذاته عقلا عمليا؛ أي كيف يتيسر للمبدأ الخالص عن الصلاحية الشاملة لجميع مسلماته بوصفها قوانين (وهو المبدأ الذي سيؤلف بالتأكيد صورة عقل عملي خالص) بغض النظر عن كل مادة (موضوع) للإرادة قد يستطيع المرء مقدما أن يلتمس فيها أية منفعة أو مصلحة؛ أقول كيف يتيسر لهذا المبدأ الخالص أن يقدم دافعا ويحدث منفعة يمكن أن يقال عنها إنها منفعة أخلاقية، وبعبارة أخرى كيف يمكن العقل الخالص أن يصبح عقلا عمليا؛ فذلك ما يعجز كل عقل بشري عجزا مطلقا عن تفسيره، وكل جهد يبذل في البحث عن تفسير له هو جهد ضائع.
يتساوى هذا تماما مع محاولتي البحث عن كيفية إمكان الحرية نفسها كعلية للإرادة؛ ذلك لأنني أفارق حينئذ مبدأ التفسير الفلسفي الذي لا أملك من مبدأ غيره. حقا إنني ربما استطعت أن أهيم متحمسا بين أرجاء العالم المعقول الذي لم يزل باقيا لي، وفي عالم العقول، غير أنني وإن كانت لدي «فكرة» مدعومة عنه فليست لدي به مع ذلك أدنى «معرفة»، وليس في مقدوري أبدا، بكل ما تبذله ملكتي العقلية الطبيعية من جهد، أن أتوصل إلى معرفته. إنما تدل هذه الفكرة على شيء يظل باقيا بعد أن أستبعد من مبادئ تعيين إرادتي كل ما يتصل بالعالم الحسي بسبب، وذلك لمجرد أن أحصر مبدأ الدوافع المستمدة من ميدان الحساسية، بوضع حدود هذا الميدان وبيان أنه لا يشتمل في ذاته على كل شيء، بل إن وراءه أشياء أخرى تزيد عليه. أما هذه الأشياء الزائدة فإنني لا أعرف عن طبيعتها شيئا. لا شيء يبقى لي من العقل الخالص الذي يفكر في هذا المثال بعد عزل كل مادة؛ أي كل معرفة بالموضوعات، إلا الصورة؛ أعني القانون العملي للصلاحية الشاملة للمسلمات يطابقه العقل في صلته بعالم معقول خالص من حيث هو علة فاعلة ممكنة؛ أي علة معينة للإرادة،
37
إن الدافع ينبغي أن يسقط هنا تماما، إلا إذا كان علينا عندئذ أن نحسب أن هذه الفكرة عن عالم معقول هي نفسها الدافع أو هي ما يجد العقل أصلا منفعة فيه، ولكن تفسير ذلك يعد في الحقيقة معضلة لا نملك لها حلا.
Shafi da ba'a sani ba