لأنَّ المجازَ أَخَسُّ رُتْبَةً من الحقيقةِ، فيَجِبُ تَمْييزُ الحقيقةِ عليه.
وقولُه: (ولَفْظًُ القِياسِ) يُشِيرُ إلى الاستغناءِ عن قولِ ابنِ الحَاجِبِ: ليسَ الخلافُ فيما يَثْبُتُ تَعْمِيمُه بالاسْتِقْرَاءِ كرَفْعِ الفاعلِ ونَصْبِ المفعولِ، ووَجْهُ الاسْتِغْنَاءُ عنه، أنَّ لَفْظَ القياسِ الذي هو موضوعُ المسألَةِ يُعْطِي ذلك؛ لأنَّ اطِّرادَ ذلك في كلِّ ما أُسْنِدَ إليه فِعْلٌ مَعْلُومٌ بالنَّصِّ لا بالقياسِ، ولذلك لم يَحْتَجْ إلى استثناءِ الأعلامِ، فإنَّه لا يُتَصَوَّرُ دُخُولُ القياسِ فيها لِمَا سَبَقَ.
ص: (مسألَةٌ: اللفظُ والمعنَى إنِ اتَّحَدَا فإنْ مَنَعَ تَصَوُّرَ مَعْنَاهُ الشركةُ، فجُزْئِيٌّ وإلاَّ فَكُلِّيٌّ).
ش: هذه المسألةُ في تَقْسيمِ اللفْظِ المُفْرَدِ باعتبارِ نِسْبَتِه إلى المعنَى، وهو أربعةُ أقسامٍ:
الأوَّلُ: أنْ يَتَّحِدَ اللفظُ والمعنَى، فإنْ مَنَعَ تَصَوُّرُ معنَاهُ من وقوعِ الشركةِ في مَفْهُومِه، فهو جُزْئِيٌّ كالعَلَمِ نحوَ: زَيدٌ، وغيرُه من سائرِ الأعْلامِ؛ فإنَّه لا يُشَارِكُه فيه غيرُه، وإنْ لم يَمْنَعْ تَصَوُّرُ معناهُ من وقوعِ الشركةِ فيه، فهو الكُلِّيُّ كالحيوانِ والإنسانِ.
واعْلَمْ أنَّ الجُزْئِيَّ والكُلِّيَّ بالذاتِ هو ذلك المعنَى، وإنَّما يُقَالُ للَّفْظِ الدَّالِ عليه: كُلِّيٌّ وجُزْئِيٌّ بالعَرَضِ والتَّبِعَيَّةِ تَسْمِيةٌ للدَّالِ باسمِ المَدْلُولِ، وغيرُ المُصَنِّفِ قالَ: نَفْسُ تَصَوُّرِ معناهُ، وإنَّما قَيَّدَ التَّصَوُّرَ؛ ليَخْرُجَ بعضُ أقسامِ الكًُلِّيِّ، وهو ما تَمْتَنِعُ فيه الشركةُ لا لِنَفْسِ مَفْهُومِه، بل لأمْرٍ خارجٍ كواجِبِ الوجودِ، والمُصَنِّفُ حَذَفُه؛ لأنَّه ظَنَّ تَمَامَ الحَدِّ= بدونِه وليسَ كذلكَ، فإنَّه لَمَّا أَخَذَ التَّصُوُّرَ في تعريفِ الكُلِّيُّ، عَلِمْنا أنَّ الكُلْيَّةَ والجُزْئِيَّةَ من عوارِضِ الصُّوَرِ الذِّهْنِيَّةِ، فيهما تَوَهَّمٌ؛ أنَّه لو كانَ من الصُّوَرِ الذهنِيَّةِ مالا يَمْنَعُ الشرِكَةُ، كانَتْ حَقِيقَتُها الخارجِيَّةِ كذلك؛ لأنَّ الصَّورَ الذهنِيَّةَ مُطَابِقَةٌ للخَارِجِ، فأُزِيلَ هذا الوَهْمُ، فإنْ مَنَعَ التَّصَوُّرَ الذِّهْنِيَّ للشركةِ وعَدَمَ منعِه ليسَ بالنَّظَرِ