وأقبلنا بعد ذلك على عرض الخصائص التي امتاز بها أدب التصوف، ودرسنا طوائف من الصور الأدبية التي جاءت في وصف الدنيا أو شرح ما عانى الأنبياء والأصفياء من مكاره الحياة.
ثم عطفنا على الأدب الصرف الذي أثر عن الصوفية، فرأيناه ينقسم إلى مجموعات نثرية ومجموعات شعرية، وساقنا ذلك إلى الكلام عن حكم ابن عطاء الله، وهي تمثل ازدهار هذا الفن من الناحية النثرية، والكلام عن المنظومات التي أثرت عن أمثال ابن عربي واليافعي والنابلسي وحسن رضوان، وقفينا على ذلك بالحديث عما أثر عن الصوفية من طرائف الأقاصيص. •••
وكان لا بد لنا بعد ذلك من الإقبال على صميم المذاهب الصوفية من الوجهة الذوقية؛ لأن الأخلاق العملية ليست كل شيء عند أولئك القوم، فعبادتهم في الأغلب ترجع إلى قوة التأمل وطهارة الوجدان، وقد رأينا مذاهبهم في جوهرها ترجع إلى شعب ثلاث: الأولى عاطفة الحب الإلهي، والثانية نظرية وحدة الوجود، والثالثة حب الرسول.
أما الحب الإلهي فقد عقدنا له فصلين، تكلمنا في الفصل الأول عن نشأة هذا الفن في اللغة العربية، وتكلمنا في الفصل الثاني عن أشواق ابن الفارض.
وإنما اهتممنا بالحب الإلهي؛ لأنه يمثل السمو في أذواق الصوفية؛ إذ كانوا يتشهون الفناء في الله، ويرون الأنس به أشرف الأغراض.
وللصوفية في هذا التسامي منطق طريف، فهم يرون أتباع الشرع طلاب جنات ونعيم، أما هم فيرون أنفسهم عشاقا لرب الجنة، وشتان بين من يصافي المالك ومن يتعلق بالمملوك.
وهيام الصوفية بالحب الإلهي حولهم إلى أقباس روحية وذوقية، وجعل حياتهم أوتارا دقاقا تصدح بأعذب الألحان في عالم الأرواح والأذواق.
والحب الإلهي هو الذي جعل الصوفية لا يرون غير المعاني، ولا يعبأون بالأعمال، أليس فيهم من يقول: ذلة العاصي أشرف من كبرياء المطيع؟
1
وربما كان من الواجب أن ننص على أن الحب الإلهي كان في حقيقته من الوسائل للظفر بالجنة الروحية، وربما جاز لنا أن نقول: إنه يشبه المذهب الفلسفي الذي يسمى
Shafi da ba'a sani ba