Tasawwuf: Juyin Juya Hali na Ruhaniya a Musulunci
التصوف: الثورة الروحية في الإسلام
Nau'ikan
12
وقد أنزل الله هذه الأرواح من عليائها إلى عالمنا هذا وألبسها أبدانها قصدا للبلاء والاختبار، فشغل بعضها بأعراض الدنيا ونسي أصله وموطنه، وحن بعضها إلى العودة إلى ذلك الأصل وجعل غايته الوفاء بذلك الميثاق الذي أخذه الله عليه والرجوع إلى تلك الحال التي كان عليها قبل أن يوجد في هذا العالم. فإذا تم لهذه الأرواح ما أرادت، وحدت الله التوحيد الكامل الخالص - أو ما يقاربه - وفنيت عن وجودها الزمني وبقيت بالله وحده، وفي هذا الفناء في الحق يتحقق معنى الحب له؛ إذ الفناء عن الذات المتعينة هو عين المحبة لمن تبقى الذات حية فيه ولا تشهد سواه. فالفناء في الحق قد تحقق أزلا - في نظر الجنيد - إذ لم يكن في الأزل سوى الله، والفناء هو مطلوب الصوفية الآن.
وعبارة الجنيد صريحة في أن أرواح البشر قديمة أزلية قبل هبوطها إلى عالم الأجساد، حادثة زمنية بعد هبوطها، وأن وجودها الأزلي كان بوجود الله، وأن فناءها الأزلي معناه انعدام تعينها وتشخصها. أما وجودها الزمني فبإيجاد الله إياها على نحو آخر، والفرق بين الوجودين هو الفرق بين مقامي الجمع والتفرقة في العرف الصوفي.
ووجود الإنسان في العالم على الصورة التي هو عليها مرده إلى إرادة الله، ولكن الله القاهر الغالب يريد أيضا أن يقهر ذلك الوجود الإنساني بفيض الوجود الإلهي عليه، بحيث يفنى الإنسان عن وجوده الخاص ويمحى رسمه. يقول الجنيد:
ولذلك قلنا إنه إذا كان واجدا (موجدا) للعبد يجري عليه مراده من حيث يشاء بصفته المتعالية التي لا يشارك فيها، وكان ذلك الوجود أتم الوجود وأمضاه لا محالة، وهو (أي الوجود) أولى وأغلب وأحق بالغلبة والقهر وصحة الاستيلاء على ما يبدو عليه (أي على الإنسان) حتى يمحى رسمه ويذهب وجوده إذ لا صفة بشرية.
13
ويتحقق هذا الاستيلاء والقهر - وهو استيلاء الوجود الإلهي على الوجود الإنساني - في حال الفناء أو حال الحب لله. أو قل إنه هو بعينه الفناء في الله والحب له. قال الله عز وجل: «لا يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به وبصره الذي يبصر به.» هذا هو استيلاء الوجود الإلهي على وجود العبد المحب، ومعناه كما يقول الجنيد أن الله يؤيده ويوفقه ويهديه ويشهده ما شاء كيف شاء بإصابة الصواب وموافقة الحق، وذلك فعل الله عز وجل فيه، وما وهبه له (أي للعبد) منسوب إليه لا إلى الواجد له؛ لأنه لم يكن عنه ولا منه ولا به، وإنما كان واقعا به من غيره (وهو الله) وهو لغيره أولى، وبه (أي بهذا الغير) أحرى.
14
وفي هذا الشرح ما يكفي لأن يدفع عن الجنيد تهمة الحلول أو الاتحاد أو وحدة الوجود، فإنه لا حلول هناك ولا اتحاد ولا صيرورة من أي نوع، وإنما يستولي الحق على العبد الفاني في حبه فتصدر عنه حركاته وسكناته بتحريك الحق إياه، فتكون الحركة للحق على الحقيقة وللعبد في الظاهر. يقول الجنيد في وصف المحب صاحب هذه الحال:
عبد ذاهب عن نفسه، متصل بذكر ربه، قائم بأداء حقوقه، ناظر إليه بقلبه، أحرق قلبه أنوار هويته وصفاء شربه من كأس وده، وانكشف له الجبار من أستار غيبه. فإذا تكلم فبالله، وإن نطق فعن الله، وإن تحرك فبأمر الله ، وإن سكت فمع الله. فهو بالله ولله ومع الله.
Shafi da ba'a sani ba