Tasawwuf: Juyin Juya Hali na Ruhaniya a Musulunci
التصوف: الثورة الروحية في الإسلام
Nau'ikan
وقوله:
والله لا يحب المفسدين .
9
أما الأحاديث النبوية التي ورد فيها ذكر الحب الإلهي، فتتجاوز في عددها ومعانيها ما ورد في القرآن في هذا الصدد، ولا شك أن كثيرا منها قد وضع للتعبير عن الأفكار الصوفية التي نمت تحت تأثير عوامل خارجية ظهر أثرها في التصوف منذ منتصف القرن الثاني الهجري، ومن الأحاديث الصحيحة التي يكثر الصوفية من روايتها والتعليق عليها، الحديث القدسي الذي يقول الله تعالى فيه: «لا يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ويده التي يبطش بها، ورجله التي يمشي عليها، إلخ.»
فظاهر من كل ما تقدم أن في القرآن والحديث نصوصا صريحة الدلالة على محبة الله لعباده ومحبة عباده له، وأن هذا أمر لا يجحده إلا جاهل أو مكابر. أما أن هذه البذور الأولى قد نمت في البيئة الإسلامية تحت تأثير ثقافات أجنبية حتى ظهر عنها نظرية بل نظريات في الحب الإلهي، فهذا أمر يجب أن نسلم به وإن كان يجب ألا نبالغ في شأنه، وأقوى المصادر الأجنبية تأثيرا في نظريات الحب الإلهي عند المسلمين: المسيحية والمانوية والأفلاطونية الحديثة. (1) موقف المسلمين من الحب الإلهي
خضعت مسألة الحب الإلهي عند المسلمين لمعايير مختلفة ووجهات نظر متباينة تبعا لتباين فرق المسلمين في فهمهم وتصورهم لمعنى الألوهية والصلة بين الله وخلقه، فإنه على الرغم من ورود صريح الآيات والحديث في أن الله يحب ويحب، أنكرت بعض طوائف المسلمين أنه يحب ويحب على الحقيقة، وقالت أن ما ورد في الشرع مما يشير إلى ذلك لا يعدو أن يكون ضربا من المجاز، وأن الله لا يحب ولا يحب لأن المحبة لها من اللوازم ما لا يليق بالجناب الإلهي كالشوق والأنس والمناجاة والمشاهدة وتبادل اللذة ونحو ذلك من صفات المخلوقات التي يجب أن يتنزه الله عنها، وأقصى ما ذهبوا إليه من التأويل هو أن قالوا إن المراد بمحبة العبد لله طاعته ودوام خدمته، وأن المقصود بمحبة الله للعبد كلاءته ورحمته، أو قالوا - كما قال بعض المتكلمين - إن المحبة إحدى الصفات التي وصف بها الباري نفسه (في مثل
يحبهم ويحبونه )، فيجب الاعتقاد بها وعدم النظر في ماهيتها وكيفيتها.
أما الصوفية فمنهم من كان أكثر تحفظا وأدنى إلى مذاهب المتكلمين مثل الهجويري الذي يفسر محبة الله للعبد بأنها صفة من صفات الله كالرضا والغضب والرحمة ونحوها، ومعناها عنايته تعالى بالعبد ومجازاته له في الدنيا والآخرة، وعصمته إياه من الذنوب والآثام، ومنحه إياه رفيع المقامات والأحوال، وشغله قلبه به وحده. فإذا اختص الله عبدا من عباده بهذا الاختصاص فقد أحبه. أما حب العبد لربه فهو صفة أو معنى يظهر في قلب العبد بصورة التعظيم والإجلال للمحبوب، بحيث يطلب رضاه دائما ويجزع من بعده، ويأنس بذكره ويستوحش من ذكر غيره، ويقطع جميع علائقه بالخلق ويتجه بكليته نحو ساحة الحق وحده.
ولكن من الصوفية من لم يستبشع شيئا من معاني الحب ومستلزماته عند كلامهم في حبهم لله أو حب الله لهم، بل اعتبروا ذلك الحب حقيقة واقعة اختصوا بها وعرفوها في تجاربهم وشعروا بلذتها، وأن لوازم المحبة من شوق وحنين وأنس ومناجاة ولذة قرب وألم بعد، إنما هي حقائق أدركوها في مواجيدهم، وأن المحبة أمر متبادل بين الله وعبده: فالله يشتاق إلى العبد ويطلب قربه كما يشتاق العبد إليه ويطلب قربه، والله يناجي ويغار عليه كما يناجيه العبد ويغار عليه، إلى غير ذلك من صفات المحبة ولوازمها. أما المواظبة على طاعة الله وخدمته فهي عندهم فرع المحبة وليست مرادفة لها كما ذهب إليه بعض الأوائل، وقد حاول الغزالي أن يجد أساسا عقليا لحب الإنسان لله، فقسم المحبة إلى خمسة أنواع وقال إن هذه الأنواع لا يتصور كمالها ولا اجتماعها إلا في حب الله. أما أنواع المحبة فهي: (1) محبة الوجود. (2) محبة من يرجع إليه دوام الوجود. (3) محبة المحسن إلى الغير. (4) محبة كل ما هو جميل في ذاته. (5) محبة من كان بينه وبين المحبوب مناسبة.
أما أن هذه الأنواع لا يتصور كمالها ولا اجتماعها إلا في حب الله، فذلك لأن العبد إذا أحب وجوده قد أحب الله لأنه واهب هذا الوجود، وإذا أحب دوام وجوده فقد أحب الله لأنه هو الذي يديم عليه وجوده، وإذا أحب المحسن إليه فقد أحب الله المحسن المسبغ النعم ، وإذا أحب الجمال فقد أحب الله الذي هو مصدر كل جميل، أو لأنه هو الجميل على الحقيقة. أما عن النوع الخامس، فيرى الغزالي أن المناسبة موجودة بين العبد وربه، المحب والمحبوب؛ إذ العبد فيه الروح التي هي من أمر الله، والتي من أجلها استحق الإنسان الخلافة عن الله كما استحق أن تسجد له الملائكة.
Shafi da ba'a sani ba