فالوسيلة الأصلية لتثقيفنا وتوجيهنا التي تقدم لنا غذاء الذهن والروح في عصرنا هي الجريدة أو المجلة، ولذلك يجب أن نسأل حين نشتريهما: بماذا أنتفع منهما؟ وهل هما ترقيان الذهن وترفعان النفس أم أنهما تعملان لتبليد الذهن وضعة النفس؟
يجب أن تربينا جرائدنا ومجلاتنا، فإذا لم تفعل فإننا يجب أن نتجنبها، بل نكافحها ونمنع انتشارها بين الجمهور.
إني أجد من المجلات هذه الأيام ما يمكن أن يحسب في عداد المواخير، ذلك أنها تعيش وتتفشى بالتحرش بالغريزة الجنسية وتجميش الشهوات الوضيعة؛ إذ هي مجلات يكتبها عوام كي يقرأها أعوام، تحفل بالصور التي تبرز فيها السمات الجنسية الثانوية للمرأة، كالصدر والكفلين والبطن، وتكاد بعض المجلات لا تحوي شيئا آخر.
ولا يمكن الشاب أن يرتفع أو ينتفع بقراءة هذه المجلات، بل هي أحرى بأن تبلد ذهنه وتكسب روحه جلافة، وتحيله من إنسان متعدد الاهتمامات إلى حمار ينهق وراء الأنثى، كأن جميع كفاءاته الإنسانية العليا قد ألغيت، ولم تبق فيه غير الغريزة الجنسية والشهوات الحيوانية.
وحرام عليك أيها الشاب أن تبيع نفسك رخيصة بهذا الثمن البخس، فأنت تعيش في هذه الدنيا كي ترقى وتنمو وتنضج، وأنت، حتى حين لا تقرأ ولا تشتري هذه المجلات، أرقى ذهنا وأوفر حكمة من ذلك المحرر الذي ينشر لك صور الصدور والأكفال والبطون، ويكتب لك قصص العشق والفسق.
أنت أرقى منه فتجنبه، حتى يتعلم هو كيف يكتب وماذا ينشر.
الفصل الثالث والعشرون
كيف نستغل فراغنا؟
كان «هربرت سبنسر» يقول: إنه يستطيع أن يعرف اهتمامات أي إنسان بعد ثلاث أو أربع دقائق من الاستماع لحديثه؛ وذلك لأننا كلنا في الحديث نتجه نحو الموضوعات التي تشغل قلوبنا وتحرك عقولنا.
ولكن ما نهتم به ليس في الأغلب حرفتنا ومعاشنا، بل مشاغلنا التي نملأ بها هذا الفراغ بما نحب من نشاط، ولذلك نجد أن الهواية أو الهوايات التي تلصق بقلوبنا، والتي نستغل بها فراغنا أو «نقتل» بها وقتنا، تعمر شخصيتنا وتملأ حديثنا فلا نكاد نتحدث إلا عنها، ولذلك نستطيع أن نميز الرجل الحكيم من الرجل الجاهل عندما نعرف الطريقة التي يستغل بها كل منهما فراغه.
Shafi da ba'a sani ba