Tafarkin Ikhwan Safa
طريق إخوان الصفا: المدخل إلى الغنوصية الإسلامية
Nau'ikan
40 (17: 2، 60). «اعلم أيها الأخ البار الرحيم، أيدك الله وإيانا بروح منه، أن العاقل الفهم إذا نظر في علم النجوم، وفكر في سعة هذه الأفلاك وسرعة دورانها، وعظم هذه الكواكب وعجيب حركاتها، وأقسام هذه البروج وغرائب أوصافها، تشوقت نفسه إلى الصعود إلى الفلك والنظر إلى ما هناك معاينة. ولكن لا يمكن الصعود إلى ما هناك بهذا الجسد الثقيل الكثيف، بل النفس إذا فارقت هذه الجثة ولم يعقها شيء من سوء أفعالها، أو فساد آرائها وتراكم جهالاتها أو رداءة أخلاقها، فهي هناك في أقل من طرفة عين بلا زمان؛ لأن كونها حيث همتها ومحبوبها كما تكون نفس العاشق حيث معشوقه. فإذا كان عشقها هو الكون مع هذا الجسد، ومعشوقها هذه اللذات المحسوسة المحرقة الجرمانية، وشهواتها هذه الزينة الجسمانية، فهي لا تبرح من ها هنا ولا تشتاق الصعود إلى عالم الأفلاك ولا تفتح لها أبواب السماوات ولا تدخل الجنة مع زمر الملائكة، بل تبقى تحت فلك القمر سائحة في قعر هذه الأجسام المستحيلة المتضادة، تارة من الكون إلى الفساد، وتارة من الفساد إلى الكون ... كلما نضجت جلودهم بدلناهم جلودا غيرها ليذوقوا العذاب ... »
41 ،
42 (3: 1، 137).
وأيضا: «اعلم أن الإنسان العاقل إذا سمع أوامر الناموس ونواهيه ووعيده وزواجره، ثم لم يأتمر بحدوده ولم ينقد لأحكامه، أو سمع العلوم الحكمية فلم يقم بواجبها ... بل جعل أكثر عنايته في إصلاح شأن هذا الجسد ... وأفنى عمره كله ساهيا ولاهيا إلى الممات، ثم جاءته سكرة الموت بالحق التي هي مفارقة النفس الجسد على كره منها وإجبار منها ... بقيت عند ذلك نفسه بلا جسد، وقد سلبت آلات الحواس التي كانت تنال بها اللذات الجسمانية وقد اعتادتها بطول الدربة فيها. فانطبع في همتها النزول إليها، [ولكن] لا وصول لها إلا بهذا الجسد وأعضائه، وقد منعت ذلك لكون مثلها عند ذلك كمثل من سلت عيناه، وصمت أذناه، وشلت يداه، وقطعت رجلاه، وخرس لسانه، وشد منخراه، وعمي قلبه ... وما بقي معه إلا الروح في الجسد معذبا، فلا هو حي يلذ بالعيش، ولا ميت يستريح من العذاب، كما قال تعالى: ... لا يموت فيها ولا يحيا ،
43
فتبقى تلك النفوس عند ذلك تائهة بهمومها في طلب ما قد فاتها بما اعتادته من لذات هذه المحسوسات، وقد منعت الوصول إليها والعود ... فعند ذلك تبقى بحسرتها وندامتها متألمة بذاتها، معذبة من سوء عاداتها، عمياء في جهالاتها، دون فلك القمر، سائحة في قعر الأجسام المدلهمة، غريقة في بحر الهيولى، هائمة هاوية في عالم الكون والفساد مع أبناء جنسها من الأمم الخالية إخوان الشياطين وجنود إبليس أجمعين، كما ذكر الله تعالى: ... كلما دخلت أمة لعنت أختها ... »
44 (30: 3، 79-80). «... فأما النفوس الصافية غير المتجسدة فهي غير محتاجة إلى الكلام والأقاويل في إفهام بعضها بعضا من العلوم والمعاني التي في الأفكار، وهي النفوس الفلكية؛ لأنها قد صفت من درن الشهوات الجسمانية، ونجت من بحر الهيولى وأسر الطبيعة، واستغنت عن الكون مع الأجساد المظلمة التي هي أسفل السافلين وعالم الكون والفساد، وارتفعت إلى أعلى أفق العالم العلوي، وسرت في الجواهر النيرة والشفافة التي هي الكواكب والأفلاك، وذلك كما توجب الحكمة الإلهية والعناية الربانية، إذا لم تقرن بالأجسام الساترة ولم تحتج إلى كتمان أسرارها، ولا إلى إخفاء ما في ضمائرها؛ إذ كانت صافية من الخبث والدغل، وبريئة من الإضمار للشر. فقرنت بالجواهر النيرة والأكر الشفافة التي يتراءى الجزء منها في الكل، والكل يتراءى في الجزء، كما تتراءى وجوه المرايا المجلاة بعضها في بعض، وكما تتراءى وجوه الجماعة المتقابلين في عين الواحد منهم، ووجه الواحد في أعين الجميع. فهم غير محتاجين إلى الإخبار عن الإضمار، ولا السؤال عن كتمان الأسرار؛ لأنهم في الإشراق والأنوار التي هي معدن الأخبار والأبرار» (10: 1، 402-403).
وعلى الرغم من أن الإخوان لم يوردوا الكثير من التفاصيل الجزئية عن حال الأرواح بعد الموت، مكتفين بالعموميات، إلا أنهم أوردوا في جملة قصصهم المبعثرة التي قصدوا منها العبرة، قصة عن الرجل التائب، أنهوها بهذا المشهد الحي المؤثر: «ثم إن ذلك الرجل التائب بقي مدة من الزمان مجتهدا في عبادة الله، على عادته، حتى قرب أجله ووقت مفارقته، فرأى في منامه كأن روحه قد خرجت من جسده، وإذا هي على صورة مثل شكل الجسد وهيئته سواء، غير أن هذا الشكل جسماني، وتلك صورة روحانية شفافة، لا ينالها لمس ولا حس، وإذا هي قد ثبتت في الهواء حيث شاءت، وكيف شاءت، بلا كلفة، ولا عناء، وهي تجد من ذاتها خفة وراحة وسرورا، وروحا ولذة وفرحا لا توصف بمثلها حال الأجسام. ولما نظرت إلى جسدها، فإذا هو مطروح لا حراك به، فحنت إليه لطول الصحبة وإلف العادة، فلما دنت منه وتأملته، فإذا هو كأنه قد أتى ثلاثة أيام بعد الموت، وهو منتفخ منتن الرائحة، يسيل منه الدم والقيح والصديد، وتجري بين لحمه الديدان ... فلما رأت ذلك المنظر الهائل اشمأزت منه، وتأخرت عنه، وأنفت من الدنو إليه، وجعلت تغبط حالها حين فارقته، وخرجت منه، ونجت من وسخه ودرنه ووحشته وعاره ووباله. ثم التفتت، فإذا هي أبواب السماء قد فتحت، والمعراج قد امتد من السماء إلى الأرض، والملائكة نزلت وامتلأت الآفاق من النور والضياء. وسمع مناديا ينادي:
يا أيتها النفس المطمئنة * ارجعي إلى ربك راضية مرضية * فادخلي في عبادي * وادخلي جنتي
45
Shafi da ba'a sani ba