Tafarkin Ikhwan Safa
طريق إخوان الصفا: المدخل إلى الغنوصية الإسلامية
Nau'ikan
ومنها بعث النفوس الجاهلة من نوم الغفلة وإحياؤها من موت الجهالة، كما ذكر الله جل ثناؤه بقوله:
أومن كان ميتا فأحييناه وجعلنا له نورا يمشي به في الناس كمن مثله في الظلمات ليس بخارج منها ...
23
وقوله تعالى:
ثم بعثناكم من بعد موتكم لعلكم تشكرون
24 ...
واعلم يا أخي أن من لا يوقن ببعث الأجساد ولا يتصوره، فليس من الحكمة أن يخاطب ببعث النفوس؛ لأن بعث الأجساد يمكن تصوره ويقرب فهمه وعلمه ، فأما من لا يقر به ولا يتصوره، فهو لبعث النفوس أنكر وبه أجهل، ومن تصوره أبعد؛ لأن بعث النفوس هو من علم الخواص، ولا يتصوره إلا المرتاضون بالعلوم الإلهية والمعارف الربانية. وإنما وعد الكفار أن يبعث أجسادهم ليوافقهم على تكذيبهم ويجازيهم بسوء أفعالهم، ووعد الله المؤمنين أن يحيي نفوسهم ويبعث أرواحهم؛ ليجازيهم على حسناتهم ويثيبهم بأعمالهم. فلا تكن يا أخي ممن ينتظر بعث الأجساد ويؤمل نشر الأبدان، فإن ذلك ظلم عظيم في حقك إذا كنت تتوهم ذلك. ولكن إن استوى لك، فكن من الذين ينتظرون بعث النفوس، ويؤملون حياتها ووصولها إلى عالمها الروحاني ودار قرارها الحيواني.»
أي إن النفوس الخاطئة هي التي ترد إلى أجسادها مرة أخرى، أما النفوس الناجية فقد تخلصت من عبء أجسادها إلى الأبد: «واعلم يا أخي أن بعث الأجساد من القبور الدراسات وقيامها من التراب، إنما يكون ذلك إذا ردت إليها تلك النفوس والأرواح التي كانت متعلقة بها وقتا من الزمان، فيما سلف من الدهر، فتنتعش تلك الأجساد، وتحيا تلك الأبدان، وتتحرك وتحس بعدما كانت جمودا، ثم تحشر وتحاسب وتجازى؛ لأن الغرض من البعث هو المجازاة والمكافأة.
واعلم يا أخي أن رد النفوس الناجية إلى الأجسام، الفانية في التراب من الرأس، ربما يكون موتا لها في الجهالة، واستغراقا في ظلمات الأجسام، وحبسا في أسر الطبيعة وغرقا في بحر الهيولى. فأما بعث النفوس وقيام الأرواح، فهو الانتباه من نوم الغفلة واليقظة من رقدة الجهالة، والحياة بروح المعارف ... والرجوع إلى عالمها الروحاني ومحلها النوراني ...» (مقاطع مختارة من الرسالة 38: 3، 287-301). «واعلم يا أخي، أيدك الله وإيانا بروح منه، أن علم الإنسان المعلومات: بعضها بطريق الحواس، وبعضها بطريق السمع والروايات والأخبار، وبعضها بطريق الفكر والروية والتأمل والعقل الغريزي، وبعضها بطريق الوحي والإلهام، وبعضها بطريق القياس والاستدلال، وهو العقل المكتسب. وبهذا العقل يفتخر العلماء، وبه يتفاضل الحكماء والفلاسفة.
واعلم يا أخي، أيدك الله وإيانا بروح منه، أنك إذا طلبت علم البعث ومعرفة حقيقة القيامة وما يوصف من أحوالها، فليست تخلو معرفتها من أحد هذه الطرق التي تقدم ذكرها. فإن أردت أن تعرفها بطريق القياس والبرهان، فأعمل هذه المسألة وابحث كما يعمل أصحاب [كتاب] المجسطي عند طلبهم معرفة عظم جرم الشمس. وذلك أنهم قالوا: لا يخلو جرم الشمس من أن يكون مساويا لجرم الأرض، أو أعظم أو أصغر منها في المقدار؛ إذ ليس في القسمة العقلية غير هذه. ثم بحثوا عن واحد واحد من هذه الأقسام الثلاثة حتى عرفوا حقيقتها، كما هو مذكور في كتبهم بشرح طويل. فاعمل أنت يا أخي، أيدك الله وإيانا بروح منه، في هذه المسألة مثلما عمل هؤلاء في مسألتهم، وهو أن تقول: لا يخلو أمر البعث ومعنى القيامة، أن تبعث الأجساد دون النفوس، أو النفوس دون الأجساد، أو الجميع؛ إذ كان ليس في القسمة غير هذه الوجوه الثلاثة. ثم ابحث وتصفح عن حقيقة واحد واحد من هذه الوجوه الثلاثة، كما نبين في هذا الفصل.
Shafi da ba'a sani ba