Tafarkin Ikhwan Safa
طريق إخوان الصفا: المدخل إلى الغنوصية الإسلامية
Nau'ikan
ولمعرفة المزيد عما قاله الإخوان بخصوص الحركة والسكون في الموسيقى، ننتقل إلى رسالتهم الخامسة الموسومة «في الموسيقى» لنقرأ في أحد فصولها ما يلي: «إن كل نقرتين من نقرات الأوتار وإيقاعات القضبان فلا بد من أن يكون بينهما زمان سكون، طويلا كان أم قصيرا؛ وإنه إذا تواترت نقرات تلك الأوتار، وإيقاعات تلك القضبان، تواترت أيضا سكونات بينها، ثم لا تخلو أزمان تلك السكونات من أن تكون مساوية لأزمان تلك الحركات أو تكون أطول منها، وإذا كانت أقصر منها فالمتفق عليه بين أهل هذه الصناعة أن زمان الحركة لا يمكن أن يكون أطول من زمان السكون الذي هو من جنسه، فإن كانت أزمان السكونات مساوية لأزمان الحركات في الطول، ولا يمكن أن يقع في تلك الأزمان حركة أخرى، سميت تلك النغمات عند ذلك العمود الأول، وهو الخفيف الذي لا يمكن أخف منه؛ لأنه إذا وقعت في تلك الأزمان حركة أخرى صارت نغمتها متصلة بنغمة النقرة التي قبلها والتي بعدها، وصار الجميع صوتا متصلا. وإن كانت أزمان السكونات أطول من هذه بمقدار ما يمكن أن يقع فيها حركة أخرى، سميت تلك النغمات العمود الثاني والخفيف الثاني. وإن كانت أزمان تلك السكونات طولها بمقدار ما يمكن أن يقع فيه حركتان، سميت تلك النغمات الثقيل الأول. وإن كانت تلك الأزمان أطول من هذه بمقدار ما يمكن أن يقع فيه ثلاث حركات، سميت تلك النغمات الثقيل الثاني ...
واعلم يا أخي بأنه إذا زادت أزمان السكونات التي بين النقرات والإيقاعات على هذا المقدار من الطول، خرج من الأصل والقانون والقياس، أعني من أن تدركها وتميزها القوة الذائقة السمعية. والعلة في ذلك أن ... طنين الأصوات لا يمكث في المسامع زمانا إلا ريثما تأخذ القوة المتخيلة رسومها، ثم تضمحل من المسامع تلك الطنينات، وإذا طالت أزمان السكونات بين النقرات وزادت على المقدار الذي تقدم ذكره، اضمحلت النغمة الأولى وطنينها من المسامع قبل أن ترد النغمة الأخرى، فلا تقدر القوة المفكرة أن تعرف مقدار الزمان الذي بينهما، فتميزهما وتعرف التناسب الذي بينهما؛ لأن جودة الذوق في المسامع هي معرفة كمية الأزمان التي بين النغمتين، وما بين أزمان السكونات وبين أزمان الحركات من التناسب والمقدار» (5: 1، 200-201).
نعود إلى موضوعنا الرئيس في الحركة لنقرأ: «واعلم أنه ينبغي لمن ينظر في حقائق الأشياء، ويبحث عن ماهيتها، أن يبتدئ أولا وينظر ويبحث هل الشيء جوهر، أو عرض، أو هيولى، أو صورة جسمانية، أو روحانية. فإن كان جوهرا فأي جوهر هو؟ وإن كان عرضا فأي عرض هو؟ وإن كان هيولى فأي هيولى هو؟ وإن كان صورة فأي صورة هي وكيف هي؟
واعلم أن الحركة في بعض الأجسام جوهرية كحركة النار، فإنها متى سكنت حركتها طفئت وبطلت وبطل وجودها؛ وفي بعض الأجسام عرضية لها كحركة الماء والهواء والأرض؛ لأنها إن سكنت حركتها لا يبطل وجدانها.
واعلم أن الحركة هي صورة جعلتها النفس في الجسم بعد الشكل، وأن السكون هو عدم تلك الصورة. والسكون بالجسم أولى من الحركة؛ لأن الجسم ذو جهات لا يمكنه أن يتحرك إلى جميع جهاته دفعة واحدة، وليست حركته إلى جهة أولى به من جهة؛ فالسكون به إذا أولى من الحركة.
واعلم أن الحركة، وإن كانت صورة، فهي صورة روحانية متممة تسري في جميع أجزاء الجسم، وتنسل عنه بلا زمان كما يسري الضوء في جميع أجزاء الجسم الشفاف ... وذلك لو أن خشبة طولها من المشرق إلى المغرب نصبت ثم جذبت إلى المشرق أو إلى المغرب عقدا واحدا، لتحركت جميع أجزائها دفعة واحدة» (15: 2، 15-16).
ومن ناحية أخرى، فإن الحركة هي: «صورة روحانية تجعلها النفس في الأجسام، فبها تكون الأجسام متحركة ... فالنفوس هي المحركة للأجسام، والأجسام هي المحركات والمسكنات بتحريك النفوس لها وتسكينها إياها. والتحريك هو فعل النفس، والحركة هي صورة تجعلها النفس في الجسم، بها يكون الجسم متحركا. وأما التسكين فهو أيضا فعل من أفعال النفس [التي] تحرك الجسم تارة وتسكنه أخرى، مثال ذلك: أن الإنسان يحرك يده تارة ويسكنها أخرى ... إن المحركات اثنا عشر نوعا حسب، لا أقل ولا أكثر. منها حركات الأفلاك التسعة، ومنها حركات الكواكب السيارة، ومنها حركات الكواكب ذوات الأذناب، ومنها حركات الرياح ... [إلخ] ...
وإذا تأملت يا أخي واعتبرت ما وصفنا من أحوال الحركات والمتحركات التي في العالم، علمت وتبين لك أن حكم العالم بجميع أجزائه ومجاري أموره تجري مجرى مدينة واحدة، أو حيوان واحد، أو إنسان واحد لا ينفك من الحركة والسكون، إما بكليته أو بجزئيته» (39: 3، 322، 328). «ثم اعلم أن غرضنا من ذكر حركات العالم وحركات أجزائه الكليات والجزئيات وفنون تصاريفها، هو بيان بطلان قول من يقول بقدم العالم. وذلك أن الحركات المختلفات تدل على اختلافها، والمتحرك والمختلف الأحوال لا يكون قديما؛ لأن القديم هو الذي يكون على حالة واحدة لا يتغير ولا يستحيل ولا يحدث له حال. وليس يوجد موجود هذا شأنه إلا الله تعالى الواحد الأحد ...
ثم اعلم أن كل حركة في متحرك فهي متحركة له، وهي سبب لشيء آخر، فمتى عدمت تلك الحركة بطل ذلك السبب. مثال ذلك حركة الرحى عن الدابة التي تديرها أو الماء، وهي سبب الطحن، فمتى وقفت الدابة وانقطع الماء سكنت الرحى وعدم الطحن وهكذا حكم الرياح وتحريكها المراكب والمياه فمتى سكنت الرياح وقفت مراكب البحر عن السير وسكنت الأمواج ... فهكذا حكم العالم، متى وقف الفلك المحيط عن الدوران وقفت الكواكب عن المسير والحركات، ووقفت عند ذلك مجاري الليل والنهار والشتاء والصيف، فيبطل عند ذلك الكون والفساد، ويبطل نظام العالم، وتذهب الخلائق، وتفارق النفس الكلية الجسم الكلي، وتقوم القيامة الكبرى. وذلك أن العالم هو إنسان كبير، فإذا فارقت نفس العالم الجسم الكلي فقد مات الإنسان الكبير وقد قامت قيامته الكبرى» (39: 3، 332-333).
في الزمان «أما الزمان عند جمهور الناس فهو مرور السنين والشهور والأيام والساعات. وقد قيل إنه عدد حركات الفلك بالتكرر، وقد قيل إنها مدة تعدها حركات الفلك. وقد يظن كثير من الناس أن الزمان ليس بموجود أصلا إذا اعتبر بهذا الوجه، وذلك أن أطول أجزاء الزمان السنون، والسنون منها ما قد مضى ومنها ما لم يجئ بعد، وليس الموجود منها إلا سنة واحدة؛ وهذه السنة أيضا شهور منها ما قد مضى ومنها ما لم يجئ بعد، وليس الموجود منها إلا شهرا واحدا وهذا الشهر منه أيام مضت وأيام لم تجئ بعد، وليس الموجود منها إلا يوما واحدا، وهذا اليوم ساعات منها ما قد قضت ومنها ما لم تجئ بعد، وليس الموجود منها إلا ساعة واحدة، وهذه الساعة أجزاء منها ما قد مضى وآخر ما جاء بعد. فبهذا الاعتبار ليس للزمان وجود أصلا.
Shafi da ba'a sani ba