Tafarkin Ikhwan Safa
طريق إخوان الصفا: المدخل إلى الغنوصية الإسلامية
Nau'ikan
إذا كانت غاية السعي المعرفي للإنسان هي فهم وإدراك الشرط الإنساني، على ما يؤكده إخوان الصفاء، فإن دون هذه الغاية رحلة شاقة وطويلة نقطعها على درب المعرفة العلمية الاختبارية والبرهانية، تقودنا إلى فهم العالم وفهم أنفسنا التي هي جزء عضوي من هذا العالم. هذا الفهم هو الذي ينير لنا أخيرا ذلك الشرط الإنساني، ويفتح لنا بوابة الخلاص من ظلمة المادة التي اقتنصت النفس الهابطة من السماء عالم الروح الفسيح، حيث كان مسكنها قبل السقوط، والحلول في الأجسام الكثيفة البعيدة عن مرتع الأنوار العلوية. إن العرفان الداخلي الذي يقود إلى معرفة النفس ومعرفة الله حق المعرفة، لن تنطلق شرارته قبل المعرفة العلمية التي تكشف للإنسان حقيقته وحقيقة كل ما حوله. لذلك قال الإخوان في الفلسفة: «الفلسفة أولها محبة العلوم، وأوسطها معرفة حقائق الموجودات بحسب الطاقة الإنسانية، وآخرها القول والعمل بما يوافق العلم.» (الرسالة 1: الجزء الأول، ص48). وقالوا في طريق العلم الصاعد من المحسوسات إلى المجردات: «واعلم يا أخي، أيدك الله وإيانا بروح منه، بأن غرض الفلاسفة الحكماء من النظر في العلوم الرياضية، وتخريجهم تلامذتهم بها، إنما هو السلوك والتطرق منها إلى علوم الطبيعيات؛ وأما غرضهم من النظر في الطبيعيات فهو الصعود منها والترقي إلى العلوم الإلهية الذي هو أقصى غرض الحكماء، والنهاية التي إليها يرتقى بالمعارف الحقيقية. ولما كان أول درجة من النظر في العلوم الإلهية هو معرفة جوهر النفس، والبحث عن مبدئها من أين كانت قبل تعلقها بالجسد، والفحص عن معادها إلى أين تكون بعد فراق الجسد، الذي يسمى الموت ...» (1: 1، 75-76).
تبتدئ رحلة الإخوان العلمية والفلسفية من محاولة فهم الكون الرحيب بنجومه وحركة أفلاكه، وصولا إلى بيئة الأرض والتعليل العلمي لكل ما يحيط بنا من الظواهر الطبيعية. ولسوف نتابعهم في هذه الرحلة التي جندوا لها كل المعارف الإنسانية التي كانت متاحة لهم في ذلك الزمان، متوقفين عند أهم الظواهر التي درسوها دون أن نستنفدها جميعها.
في علم النجوم وتركيب الأفلاك
عرف الإخوان الكثير مما نعرفه اليوم في علم النجوم، ولكنهم كانوا على رأي اليوناني بطليموس، من أن الأرض الكروية هي جرم ثابت لا يدور، وأنها تقع في مركز الكون، وكل الأجرام السماوية تدور حولها. ونظرا لبدائية أدوات الرصد في ذلك الزمان، فإنهم لم يميزوا إلا عددا محدودا من النجوم الثابتة التي اعتقدوا أنها تنتظم في فلك واحد. ولما كانت هذه النجوم على ثباتها بالنسبة إلى بعضها البعض تبدو وكأنها تدور مجتمعة حول الأرض في كل يوم وليلة دورة واحدة، فقد اعتقدوا بوجود فلك فوقها يدور بشكل دائم ومعه كل الكواكب: «أصل علم النجوم هو معرفة ثلاثة أشياء، وهي الكواكب والأفلاك والبروج، فالكواكب أجسام كريات مستديرات مضيئات، وهي ألف وتسعة وعشرون كوكبا كبارا؛ التي أدركت بالرصد؛ منها سبعة يقال لها السيارة، وهي زحل والمشتري والمريخ والشمس والزهرة وعطارد والقمر؛ والباقية يقال لها ثابتة. ولكل كوكب من السبعة السيارة فلك يخصه. والأفلاك: هي أجسام كريات مشفات مجوفات، وهي تسعة أفلاك مركبة بعضها في جوف بعض كحلقة البصلة؛ فأدناها إلينا فلك القمر وهو محيط بالهواء من جميع الجهات، كإحاطة قشرة البيضة ببياضها، والأرض في جوف الهواء كالمح في بياضها، ومن وراء فلك القمر فلك عطارد، ومن وراء فلك عطارد فلك المريخ، ومن وراء فلك المريخ فلك المشتري، ومن وراء فلك المشتري فلك زحل، ومن وراء فلك زحل فلك الكواكب الثابتة، ومن وراء فلك الكواكب الثابتة فلك المحيط، ومثال ذلك الرسم المبين أدناه» (3: 1، 115).
شكل 2-1 «واعلم يا أخي أن السماوات هي الأفلاك، وإنما سميت السماء سماء لسموها، والفلك لاستدارته. واعلم بأن الأفلاك تسعة: سبعة منها هي السماوات السبع، وأدناها وأقربها إلينا فلك القمر، وهي السماء الأولى؛ ثم من ورائه فلك عطارد وهي السماء الثانية، ومن ورائه فلك الزهرة وهي السماء الثالثة، ثم من ورائه فلك الشمس وهي السماء الرابعة، ومن ورائه فلك المريخ وهي السماء الخامسة، ومن ورائه فلك المشتري وهي السماء السادسة، ثم من ورائه فلك زحل وهي السماء السابعة، وزحل هو النجم الثاقب، وإنما سمي الثاقب؛ لأن نوره يثقب سمك سبع سماوات حتى يبلغ أبصارنا. وأما الفلك الثامن، وهو فلك الكواكب الثابتة الواسع المحيط بهذه الأفلاك السبعة، فهو الكرسي الذي وسع السماوات والأرض. وأما الفلك التاسع، المحيط بهذه الأفلاك الثمانية، فهو العرش العظيم الذي يحمله فوقهم يومئذ ثمانية، كما قال الله عز وجل.
واعلم يا أخي أن كل واحد من هذه السبعة المقدم ذكرها سماء لما تحته وأرض لما فوقه، ففلك القمر سماء الأرض التي نحن عليها وأرض لفلك عطارد، وكذلك فلك عطارد سماء لفلك القمر وأرض لفلك الزهرة، وعلى هذا القياس حكم سائر الأفلاك» (16: 2، 26). «فقد بان بهذا المثال أن جملة العالم إحدى عشرة كرة، اثنتان في جوف فلك القمر ، وهما الأرض والهواء؛ لأن الأرض والماء كرة واحدة والهواء والأثير كرة واحدة؛ وتسع من ورائه محيطات بعضها ببعض» (16: 2، 28). «اعلم أن الشمس لما كانت في الفلك كالملك في الأرض، صار مركزها بواجب الحكمة الإلهية وسط العالم، كما أن دار الملك وسط المدينة، ومدينته وسط البلدان من مملكته، وذلك أن مركز الشمس وسط فلكها، وفلكها في وسط الأفلاك؛ لأنه لما كان جملة العالم إحدى عشرة كرة، وكان خمس منها من وراء فلكها محيطات بعضها ببعض، وهي كرة المريخ، وكرة المشتري وكرة زحل، وكرة الكواكب الثابتة، وكرة المحيط؛ وخمس دونها، وهي في جوف كرتها محيطات بعضها ببعض، أولها فلك الزهرة، ودونها كرة عطارد، ودونها كرة القمر، ودونها كرة الهواء، ودونها كرة الأرض، فصار موضعها في وسط العالم بهذا الاعتبار، كما أن موضع الأرض في مركز العالم» (16: 2، 30). «واعلم يا أخي أن هذه الأكر محيطات بعضها ببعض كإحاطة طبقات البصل، مماس سطح الحاوي بسطح المحوى وليس بينها فراغ ولا خلاء إلا فصل مشترك وهمي. وقد ظن قوم من أهل العلم أن بين فضاء الأفلاك وأطباق السماوات وأجزاء الأمهات مواضع فارغة، وليس الأمر كما ظنوا؛ لأن معنى الخلاء هو المكان الفارغ الذي لا متمكن فيه، والمكان صفة من صفات الأجسام لا يقوم إلا بالجسم ولا يوجد إلا معه» (16: 2، 28). «اعلم يا أخي أن هذه الإحدى عشرة كرة هي جملة العالم ومساكن الخلائق أجمعين. وقد ظن كثير بالأوهام أن وراء الفلك المحيط جسم آخر وخلاء، بلا نهاية، وكلا الحكمين خطأ لا حقيقة له؛ لأنه قد قام بالبرهان العقلي أن الخلاء غير موجود أصلا، لا خارج العالم ولا داخله؛ لأن معنى الخلاء: هو المكان الفارغ الذي لا متمكن فيه كما وصفنا، والمكان: صفة من صفات الأجسام، وهو عرض ولا يقوم إلا بالجسم ولا يوجد إلا معه. فمن ادعى أن خارج العالم جسم آخر من أجل الوهم الذي يتخيله فهو المطالب بالدليل على دعواه.
واعلم أن حكم العقل هو الذي يتساوى فيه العقلاء، وكلهم لم يتفقوا على أن خارج العالم جسم آخر؛ لأن الحس لم يدركه والعقل لم يقض به والبرهان لم يقم عليه» (16: 2، 29). «إن الفلك المحيط دائم الدوران كالدولاب، يدور من المشرق إلى المغرب فوق الأرض، ومن المغرب إلى المشرق تحت الأرض، في كل يوم وليلة دورة واحدة، ويدير سائر الأفلاك والكواكب معه، كما قال الله عز وجل: ... وكل في فلك يسبحون .
1
وهذا الفلك المحيط مقسوم باثني عشر قسما كجزر البطيخة، كل قسم منها يسمى برجا، وهذه أسماؤها: الحمل والثور والجوزاء والسرطان والأسد والسنبلة والميزان والعقرب والقوس والجدي والدلو والحوت. فكل برج ثلاثون درجة (من أقسام الدائرة)، جملتها ثلاثمائة وستون درجة، وكل درجة ستون جزءا، كل جزء يسمى دقيقة، جملتها واحد وعشرون ألفا وستمائة دقيقة، وكل دقيقة ستون جزءا يسمى ثانية ... مثال ذلك الرسم المبين أدناه.
شكل 2-2
Shafi da ba'a sani ba