Tafarkin Ikhwan Safa
طريق إخوان الصفا: المدخل إلى الغنوصية الإسلامية
Nau'ikan
25
فالواو قبل كلمة «الراسخون» هي واو العطف، والذي يعرف تأويل الآيات المتشابهات هو الله والراسخون في العلم، الذين يقولون: آمنا به ... الآية. وكما أوردنا من أقوالهم في موضع سابق، فإن: «أفضل الإنسان هم العقلاء، وأخيار العقلاء هم العلماء، وأعلى العلماء درجة وأرفعهم منزلة هم الأنبياء، عليهم السلام، ثم بعدهم في الرتبة الفلاسفة الحكماء» (47: 4، 124).
فالعقل هو الرئيس، والهادي والمرشد للفضلاء من خلق الله: «ونحن قد رضينا بالرئيس على جماعة إخواننا، والحكم بيننا، العقل الذي جعل الله تعالى رئيسا على الفضلاء من خلقه الذين هم تحت الأمر والنهي، ورضينا بموجبات قضاياه على الشرائط التي ذكرناها في رسائلنا وأوصينا بها إخواننا» (47: 4، 127). وأيضا: «واعلم أن العقلاء الأخيار إذا انضاف إلى عقولهم القوة بواضع الشريعة، فليس يحتاجون إلى رئيس يرأسهم ويأمرهم وينهاهم ويزجرهم ويحكم عليهم؛ لأن العقل والقدرة لواضع الناموس يقومان مقام الرئيس الإمام. فهلم بنا أيها الأخ أن نقتدي بسنة الشريعة ونجعلها إماما لنا فيما عزمنا عليه» (47: 4، 137).
من هنا يلجأ الإخوان إلى ذكر العقل والعقلاء وحكم العقل عندما يلجئون إلى التأويل: «ومن الآراء الفاسدة أيضا أنه يرى بأن أهل الجنة أجسادهم لحمية وأجسامهم طبيعية مثل أجساد أبناء الدنيا، قابلة للتغيير والاستحالة، متعرضة للآفات. فإذا تأمل ما وصف الله تعالى في صفات أهل الجنة، [أنهم] لا يمسهم فيها نصب، ولا يذوقون فيها الموت إلا الموتة الأولى، وأنهم خالدون، وما شاكل هذه الأوصاف المذكورة في القرآن، التي لا تليق بالأجساد اللحمية والأجسام الطبيعية. واعلم أنه لا يليق بالعقلاء أن يعتقدوها فضلا عن عقول الحكماء، بل النساء والجهال والصبيان جيد لهم، فإن هذا الرأي يليق بأفهامهم ويصلح لهم ... وأما من رزقه الله قليلا من التمييز والعقل والفهم ونظر في علوم الحكمة، فإن هذا الرأي لا يصلح له ولا يليق به؛ لأنه إذا عرضه على عقله، أنكره عليه» (42: 3، 528).
ومن تأويل الكتاب ما يمكن توضيحه للعامة، ومنه ما يجب أن يبقى وقفا على الخاصة؛ لأن عقول العامة لا تحتمل فهم ذلك: «لأن أكثر كلام الله تعالى وكلام أنبيائه وأقاويل الحكماء رموز لسر من الأسرار مخفيا عن الأشرار، وما يعلمها إلا الله تعالى والراسخون في العلم. وذلك أن القلوب والخواطر ما كانت تحمل فهم معاني ذلك. ولهذا قال عليه الصلاة والسلام: كلموا الناس على قدر عقولهم. و[قال]: إفشاء سر الربوبية كفر. وأما الخواص من الحكماء الذين هم الراسخون في العلم، فهم لا يحتاجون إلى زيادة بيان؛ إذ هم مطلعون على حقائق جميع الأسرار والمرموزات» (22: 2، 343).
وقد جاءت معظم تأويلات إخوان الصفاء، مما عرضنا له في ثنايا هذا الكتاب، في اتفاق مع حكم العقل ومع ما بينت لهم علومهم أنه الحق. وهم غالبا ما يعطون المصطلح الواحد لفظا شرعيا ولفظا عقليا فلسفيا. «واعلم يا أخي، أيدك الله وإيانا بروح منه، أن الطبيعة إنما هي قوة من قوى النفس الكلية، منبثة منها في جميع الأجسام التي دون فلك القمر، سارية في جميع أجزائها كلها، تسمى باللفظ الشرعي الملائكة الموكلين بحفظ العالم وتدبير الخليقة بإذن الله، وتسمى باللفظ الفلسفي قوى طبيعية» (18: 2، 63).
وأيضا: «واعلم يا أخي بأن قوى النفس الكلية الفلكية البسيطة التي ذكرنا أنها تعمل أجناس النبات وأنواعها، هي التي ذكرت في كتب الأنبياء عليهم السلام أنها ملائكة الله وجنوده الموكلون بها. وذكر أنه قد ورد في الأخبار المتواترة أن مع كل ورقة وثمرة وحبة تخرجها الأرض من النبات ملكا موكلا يربيها وينشئها ويحفظها من الآفات ...» (21: 2، 156). وأيضا: «واعلم يا أخي، أيدك الله وإيانا بروح منه، بأن النبات مصنوعات ظاهرة جلية لا تخفى، ولكن صانعها وعلتها باطنة خفية محتجبة عن إدراك الأبصار لها، وهي التي يسميها الفلاسفة القوى الطبيعية، ويسميها الناموس الملائكة وجنود الله الموكلين بتربية النبات وتوليد الحيوانات وتكوين المعادن، ونحن نسميها النفوس الجزئية. والعبارات مختلفة والمعنى واحد. وإنما نسبت الفلاسفة والحكماء هذه المصنوعات إلى القوى الطبيعية، و[نسبها] صاحب الشرع إلى الملائكة، ولم ينسبها إلى الله تعالى؛ لأنه يجل الباري، جل ثناؤه، عن مباشرة الأجسام الطبيعية والحركات الجرمانية والأعمال الجسدانية، كما يجل الملوك والسادة والرؤساء عن مباشرة الأفعال بأنفسهم، وإن كانت تنسب إليهم على سبيل الأمر بها والإرادة لها، كما يقال: بنى الإسكندر السد، وبنى سليمان مسجد إيليا [= القدس]، وبنى المنصور مدينة السلام» (21: 2، 152-153).
ومن أمثلة التأويل العقلاني ما أوردوه في الآية الكريمة:
وترى الملائكة حافين من حول العرش يسبحون بحمد ربهم ...
26
Shafi da ba'a sani ba