والوجدان والكشف والإلهام = فتحوا بابًا واسعًا للزيغ والانحراف والتأويل والتحريف. ثمّ تعدَّوا إلى تقسيم الدين إلى شريعة وطريقة، وعلم الظاهر وعلم الباطن، وقرّروا أن الأول حجاب دون الآخر، حتى صار التصوف في بعض صوره دينًا مناهضًا لدين رسول اللَّه ﷺ.
ومن ثم لم يكن شيخ الإسلام ابن تيمية وصاحبه الإمام ابن القيم رحمهما اللَّه ليصرفا النظر، في المهمة العظيمة التي قاما بها لإصلاح الأمة وتجديد معالم الدين، عن الردّ على مزاعم الصوفية، والكشف عن انحرافاتهم، وبيان هدي النبي ﷺ في التزكية والإحسان.
وقد أوتي الشيخان الربّانيّان قدرةً عجيبةً على الخوض في غوامض علوم العارفين ودقائق أحوالهم والكلام عليها. وذلك لما فتح اللَّه عليهما من علوم الكتاب والحكمة، ثم وفقهما للظهور على معارج العبودية والإشراف على مقامات الإحسان. ومن هنا أصبحت كتابات الشيخين في التصوف والسلوك، الجامعة بين خطر الموضوع، وسلفيّة المنهج في التمسّك بالكتاب والسنّة دون تحيّز لأحدٍ كائنًا من كان، وقدرةٍ على الخوض في الدقائق، وقوّة البيان ووضوح التعبير = أصبحت منظومةً نادرةً في المكتبة الإسلامية الزاخرة.
ومن أجلّ تلك الكتب كتابنا هذا. وقد افتتحه ابن القيّم ﵀ "بباب الفقر والعبودية، إذ هو باب السعادة الأعظم وطريقها الأقوم الذي لا سبيل إلى دخولها إلّا منه". ثم تكلم على قواعد نافعة منها قاعدة في الإنابة ودرجاتها، وقاعدة في الابتلاء، وقاعدة في ذكر طريق قريب موصل إلى الاستقامة في الأحوال والأقوال والأعمال، وقاعدة في أقسام العباد في سفرهم إلى الدار الآخرة. وختم الكتاب بباب جامع في مراتب
المقدمة / 6