الموضعين، وأدلة أحد الصنفين أقوى وأظهر، وشبهته أضعف وأخفى، فيكون أولى بثبوت الحق ممن تكون أدلته أضعف، وشبهته أقوى وهذا حال النصارى واليهود مع المسلمين، وهو حال أهل البدع مع أهل السنة.
٢١٩ - والله سبحانه بعث الرسل بما يقتضي الكمال من إثبات أسمائه وصفاته، على وجه التفصيل، والنفي على طريق الإجمال للنقص والتمثيل. فالرب تعالى موصوف بصفات الكمال التي لا غاية فوقها، مُنَزَّه عن النقص بكل وجه، ممتنع أن يكون له مثل في شيء من صفات الكمال. فأما صفات النقص فهو منزه عنها مطلقاً، وأما صفات الكمال فلا يُماثله، بل ولا يُقاربه فيها شيء من الأشياء.
والتنزيه يجمعه نوعان: نفي النقص، ونفي مماثلة غيره له في صفات الكمال، كما يدل على ذلك النصوص والعقل.
٢٢٠ - وأسماؤه سبحانه تتضمن صفاته، ليست أعلاماً محضة، وهو مستحق للكمال المطلق، لأنه واجب الوجود بنفسه، يمتنع العدم عليه، ويمتنع أن يكون مفتقراً إلى غيره بوجه من الوجوه؛ إذ لو افتقر إلى غيره بوجه من الوجود، لكان مفتقراً إلى ذلك الغير. والحاجة: إما إلى حصول كماله، وإما إلى دفع ما ينقص كماله. ومن احتاج في شيء من كماله إلى غيره، لم يكن كماله موجوداً بنفسه، بل بذلك الغير، وهو بدون ذلك الكمال ناقص؛ والناقص لا يكون واجباً بنفسه، بل ممكناً مفتقراً إلى غيره.
٢٢١ - فأيُّ شيء اعتبرته من العالم، وجدته مفتقراً إلى شيء آخر من العالم، فيدلُّك ذلك - مع كونه ممكناً مفتقراً ليس بواجب بنفسه - (على) أنه مفتقر إلى فاعل ذلك الآخر، حتى ينتهي الأمر إلى الرب الخالق لكل شيء. ويمتنع أن يكون للعالم فاعلان، مفعول كل منهما مستغنٍ عن مفعول الآخر، كما قال تعالى: ﴿ مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِن وَلَدٍ وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَهٍ﴾ (سورة المؤمنون، الآية: ٩١). ويمتنع أن يكونا مستقلِّين، لأنه جمع بين النقيضين. ويمتنع أن يكونا متعاونين متشاركين، كما يوجد ذلك في المخلوقين، لاستلزام ذلك العجز، والحاجة إلى الآخر.