طريقك الى الإخلاص والفقه في الدين
طريقك الى الإخلاص والفقه في الدين
Mai Buga Littafi
دار الاندلس الخضراء
Lambar Fassara
الأولى
Shekarar Bugawa
١٤٢١هـ/ ٢٠٠١م
Nau'ikan
مقدّمة
الحمد لله، والصلاة والسلام على عبده وخاتم رسله محمد بن عبد الله، وعلى آله وصحبه أجمعين، وعلى أتباعه إلى يوم الدين.
أما بعد:
فهذا هو الإصدار الثامن من سلسلة: "دراسات في المنهج"، وقد جاء بعنوان: "طريقك إلى الإخلاص والفقه في الدِّين: المفهوم، والأهمية، والمقاييس والمظاهر"، وهو جزءٌ مِن موضوع كنت كتبتُه بعنوان: "الدعوة في الكتاب والسنة: الواجب والمنهج والوسيلة".
وقد جاء هذا الموضوع ثمرةَ معاناةٍ طويلة وسنوات غير قليلة، في مجال التدريس والمحاضرات وبعض الإسهامات الدعوية المتعددة في إطار الموضوع، وثمرةَ صحبةٍ متدبِّرة لآيات الكتاب العزيز، ولأحاديث النبي ﷺ، واستفتائها في مشكلات المسلم في هذا العصر؛ ومِنها: ضعفُ الفقه في الدين، وضعْف الفقه في جانب الدعوة إليه؛ فأحببت إبراز معالم هذين الفقهين، وتأصيلهما تأصيلًا شرعيًا في ضوء نصوص الوحي الإلهيّ الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا مِن خَلْفه -أعني كتاب الله وسنة رسوله ﷺ.
ولا يُنْكر ما لثقافة الإنسان ومطالعاته السابقة، مِن الأثر المباشر أو غير المباشر في مثل هذا العمل، سواء شعر صاحبه أو لم يشعر، والله سميعٌ عليم،
1 / 5
﴿فمن يعمل مثقال ذرة خيرًا يَرَهْ ...﴾، وجزى الله كل مَن كان سببًا لشيءٍ مفيدٍ بأيّ صورةٍ: مباشرة أو غير مباشرة.
وقد اطّلع على مسوّدات الموضوع عدد من الإخوة الفضلاء، وطلاّبي الأعزاء؛ فاستفدتُ من ملحوظاتهم واقتراحاتهم القيّمة، وكان عدد منهم
-بعد ذلك- يُلحُّ على إخراجه، ويسأل عنه ما بين فينةٍ وأخرى؛ فكان هذا من أسباب توَجّهي لإخراجه.
ثم أشكر كلَّ أخٍ أعانني في إخراج هذه الأوراق، وأَخصُّ الأخ العزيز أبا عاصمٍ، الأستاذ: عبد الله المحمديّ؛ فقد بذَلَ جهدًا مشكورًا في القراءة والتصحيح والرأي، جزاه الله خيرًا. كما أشكر أخي العزيز المهندس أبا سهيل: محمد بن ناصر ابن محمود، على ما بذله مِن جهود مشكورة لمساعدتي في مجال الحاسب الآليّ "الكمبيوتر"، لا أستطيع مكافأته عليها، جزاه الله خيرًا. كما أشكر للأخ العزيز د. سعيد صيني آراءه وملحوظاته القيّمة التي قدّمها لي. جزى الله الجميع خير الجزاء.
أسأله سبحانه أن يكون هذا عملًا نافعًا مفيدًا، وأن يكون سهمًا مقبولًا عند الله تعالى وعند عباده الصالحين، في مجال: التأصيل الشرعي، وفقْه الكتاب والسنّة، وفقْه الدعوة في ضوء نصوص الكتاب والسنة ومقاصدها.
والحمد لله أوّلًا وآخرًا.
وصلى الله على خاتم الرسل والأنبياء، وأصحابه أجمعين.
عبد الله بن ضيف الله الرحيلي
المدينة المنورة
١٤/ محرّم/١٤١٩هـ
1 / 6
منهج البحث:
- اشترطت على نفسي ألا أعتمد في الاستدلال إلا على دليل صحيح من النقل أو العقل.
- عزوتُ الآيات إلى المصحف الشريف، واتّبعتُ في ذلك طريقةَ محمد فؤاد عبد الباقي، ﵀، بذكْر رقم الآية أو الآيات أوّلًا، فاسم السورة، فرقم السورة"١".
- خرّجت ما أوردته من الأحاديث تخريجًا مختصرًا اقتصرتُ فيه على العزو إلى مصدرٍ صحيح، أو الاقتصار على الاعتماد على حديثٍ صحيحٍ.
- إذا كان الحديث في الصحيحين فإنني لم أُلْزم نفسي إلا بإحالته إلى أحدهما، أيًا كان: البخاري أو مسلمًا؛ لأن هذا هو الذي يحقق الغرض من عزو الحديث هنا، وهو بيان أنه صحيح. وعزوت الأحاديث إلى مصادرها بذكر رقم الحديث، ولا سيما إذا كان في الصحيحين.
واتّبعت في عزو الأحاديث الإحالة على رقم الحديث بحسب عددٍ مِن الطبعات المتوافقة مع ترقيم كتاب "مفتاح كنوز السنّة"، وكتاب "المعجم المفهرس لألفاظ الحديث النبوي".
فاعتمدت في العزو إلى صحيح البخاري على نُسْخة "فتح الباري بشرح صحيح البخاري"، لابن حجر العسقلاني، القاهرة، ط. المكتبة السلفية ومطبعتها، بترقيم محمد فؤاد عبد الباقي. فإذا ذكرت رقم الحديث في
_________
(١) وهو ما جرى عليه في كتابه: "المعجم المفهرس لألفاظ القرآن الكريم"
1 / 7
صحيح البخاري فالمقصود رقْمه في هذه الطبعة وإلا بيّنتُ الطبعة المقصودة.
واعتمدت ترقيمَ محمد فؤاد عبد الباقي في عزوي الأحاديث إلى صحيح مسلم؛ بذكْر الرقم الخاصّ، ثم ذكْر الرقم العامّ بين قوسين.
هذا كله ما لم أَنصَّ على طبعة أُخرى للكتاب الذي أخرجت الحديث منه.
1 / 8
الفصل الأول: الإخلاص
أولًا: الإخلاص والفقه في الدين معًا
...
أولًا: الإخلاص والفقه في الدين معًا
بالإخلاص والفقه في الدين تُحَلُّ مشكلات المسلمين. هذه حقيقة ينبغي لنا، نحن المسلمين، اليوم الإيمان بها، ومحاسبة أنفسنا عليها.
وذلك لأن الإخلاص يَدْفع المرء إلى ما يلي:
- إلى العمل.
- وإلى اختيار العمل النافع.
- وإلى تَمْحِيص النية الصالحة من وراء العمل.
- وإلى إتقان العمل، وإعطائه ما يستحقه من عناية.
والفقه في الدين يدفع المرء إلى ما يلي:
- إلى وجْه الصواب في العمل.
- وإلى التفريق بين الخطأ والصواب في الأعمال.
- وإلى التفريق بين المنكر والمعروف.
- وإلى التمييز بين الأفضل والمفضول.
- وإلى المقبول والمردود من الأعمال، في ضوء أدلة الشرع على مراد الشارع.
والفقه في الدين يُبَصِّر الإنسان -في ضوء الأدلة الشرعية، ومقاصد الدين- بأنواع الواجب في الحياة الإسلامية: مِن فرْض عين، وفرض كفاية، وواجب موسع، وواجب مُضَيَّق.
والفقه في الدين يُسْهِم في التوصّل إلى ترتيب الأولويات.
1 / 11
والفقه في الدين يَدْفع الإنسان إلى العناية بما يتعدى العامل نفعه من أعمال الخير.
وما إلى ذلك مما يتوصل إليه الإنسان، ويحققه، بالفقه في الدين، لنفسه ولأمته، ولحياته الدنيا ولحياته الأخرى، كل ذلك بدافع من الإخلاص والفقه في الدين.
ومما يدل على هذه الحقيقة أمران:
الأول: تَتَبُّعُ ما يراه الإنسان من مشكلاتِ المسلم أو المسلمين، والنظر في أسبابها، آخذًا في الاعتبار هذين السببين الرئيسين، أعني عدمَ توافر الإخلاص وعدَمَ توافر الفقه في الدين؛ هل يعود إليهما شيء من تلك المشكلات؛ أو هل يَخرج عنهما شيءٌ من تلك المشكلات؟. وسيكون الواقع أنه لا يَخرج عنهما شيء منها.
الثاني: التسليم لما قرره النبي ﷺ مِن ميزانٍ لاستقامة أعمال الإنسان ظاهرًا وباطنًا؛ وذلك في الحديثين التاليين:
١- "إِنَّمَا الأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى فَمَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ فَهِجْرَتُهُ إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَمَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ لدُنْيَا يُصِيبُهَا أَوِ امْرَأَةٍ يَتَزَوَّجُهَا فَهِجْرَتُهُ إِلَى مَا هَاجَرَ إِلَيْهِ" "١".
٢- "مَنْ أَحْدَثَ فِي أَمْرِنَا هَذَا مَا لَيْسَ فِيهِ فَهُوَ رَدٌّ" "٢". وفي رواية عند الإمام مسلم: "مَنْ عَمِلَ عَمَلًا لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا فَهُوَ رَدٌّ" "٣". وعلق البخاري
_________
(١) البخاري، ٥٤، الإيمان، و٢٥٢٩، العتق، وأخرجه في مواضع أخرى، وأخرجه مسلم أيضًا.
(٢) البخاري، ٢٦٩٧، ومسلم، ١٧١٨، الأقضية، عن عائشة ﵂.
(٣) في الموضع السابق.
1 / 12
هذه الرواية في موضعين من صحيحه"١". فهذا هو الميزان: الإخلاص، أي إرادة وجْه الله وحده، والفقه في الدين، أيْ إصابة الحكم الشرعيّ.
_________
(١) في البيوع، باب النجش ...، وفي الاعتصام بالكتاب والسنّة، باب إذا اجتهد العامل أو الحاكم.
ثانيًا: تعريف الإخلاص لله تعالى ليس المقصود بالتعريف هنا مجرّد التعريف الاصطلاحي واللغويّ، وإنما المقصود تناول هذا الجانب بالإيضاح لمفهوم الإخلاص، والتفصيل فيه بما يكفي لتحقيق الهدف من التعرض له هنا. الإخلاص: مَصْدرٌ مِن "أَخْلَصَ"، ومثله خَلُصَ الشيء، إذا صفا وتمحّض عن غيره. والمقصود به هنا: إخلاص الاعتقاد والتوجه والقول والعمل لله تعالى وحده؛ وذلك بتمحيص النيات والأقوال والأعمال لله تعالى؛ بأنْ تكون صادرةً عن نِيّةٍ يُراد بها وجه الله تعالى. وواضحٌ، مِن هذا، أنه بحَسبِ إضافة هذا المَصْدر يتحدد المُخْلَصُ له ويتحدد معنى الإخلاص، ويتبين كذلك مدى أهميته. حقيقة الإخلاص: وحقيقة الإخلاص صدقٌ في النيَّة والقول والعمل، فيما يتعلق بحقوق الله تعالى، وفيما يتعلق بحقوق المخلوقين
ثانيًا: تعريف الإخلاص لله تعالى ليس المقصود بالتعريف هنا مجرّد التعريف الاصطلاحي واللغويّ، وإنما المقصود تناول هذا الجانب بالإيضاح لمفهوم الإخلاص، والتفصيل فيه بما يكفي لتحقيق الهدف من التعرض له هنا. الإخلاص: مَصْدرٌ مِن "أَخْلَصَ"، ومثله خَلُصَ الشيء، إذا صفا وتمحّض عن غيره. والمقصود به هنا: إخلاص الاعتقاد والتوجه والقول والعمل لله تعالى وحده؛ وذلك بتمحيص النيات والأقوال والأعمال لله تعالى؛ بأنْ تكون صادرةً عن نِيّةٍ يُراد بها وجه الله تعالى. وواضحٌ، مِن هذا، أنه بحَسبِ إضافة هذا المَصْدر يتحدد المُخْلَصُ له ويتحدد معنى الإخلاص، ويتبين كذلك مدى أهميته. حقيقة الإخلاص: وحقيقة الإخلاص صدقٌ في النيَّة والقول والعمل، فيما يتعلق بحقوق الله تعالى، وفيما يتعلق بحقوق المخلوقين
1 / 13
حقيقته، أيضًا، جمْع الهم نحو عبادة الله، ونحو الدار الآخرة مع الصدق في ذلك، فإن القلب لا يملك أن يكون مملوءًا بحب الدنيا وهمّها والتوجه إليها ومملوءًا بحب الله والإقبال عليه وعلى إرادة الدار الآخرة والهم بذلك في آنٍ واحد.
وليس معنى هذا تحريم التفكير في الدنيا وأعمالها، فإن ذلك واجب شرعيّ، ولكنَّ شرطه أن لا يكون على حساب الإقبال على الله والدار الآخرة، بحيث يقطعه عن هذا التوجه. ولا يتم هذا للمرء إلا إذا كانت عمارته للدنيا، وتفكيره فيها، واشتغاله بها، إنما هو مِن أجْل عمارةِ الآخرة وعبادةِ الله تعالى، وفي الحدود الشرعية أيضًا.
وهذا المقياس، من مقاييس الإخلاص، جدُّ مُهِمٌّ وحسّاس، والمرء مفتقر لاستخدامه بصفة مستمرة طوال حياته بحيث يراقب نفسه على مقتضاه، فمتى ما رأى همّه وهواه وشغله بالدنيا على حساب عبادة الله وحبّ الله تعالى عَلِمَ أن إخلاصه لله قد اختلّ أو فُقِدَ، وقد قال الله تعالى: ﴿مَا جَعَلَ اللَّهُ لِرَجُلٍ مِنْ قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ وَمَا جَعَلَ أَزْوَاجَكُمْ اللائِي تُظَاهِرُونَ مِنْهُنَّ أُمَّهَاتِكُمْ وَمَا جَعَلَ أَدْعِيَاءَكُمْ أَبْنَاءَكُمْ ذَلِكُمْ قَوْلُكُمْ بِأَفْوَاهِكُمْ وَاللَّهُ يَقُولُ الْحَقَّ وَهُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ﴾ "١"، فليس للإنسان قلبان، ولا يمكن أن تكون زوجته التي يظاهر منها أُمًّا له، ولا يمكن أن يكون الابن الدّعيّ ابنًا في الحقيقة.
فاعلم يا أخي أن لك قلبًا واحدًا فمتى رأيته مال مع الدنيا وانشغل بها، فاعلم أنه لا يسعه أن ينشغل أيضًا في الوقت نفسه بعبادة الله تعالى وبحبه
_________
(١) ٤: الأحزاب: ٣٣.
1 / 14
وبهمّ الآخرة، وليس لك قلب آخر يتوجه بك إلى عبادة الله وإلى الدار الآخرة، فانتبه يا أخي، وكنْ بصيرًا بنفسك ناصحًا لها"١".
غاية الإخلاص:
إنّ غاية الإخلاص:
*أن تُخْلِصَ لله أعمالك على مقتضى ما ادّعيتَه بلسانك بمقتضى شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله. أي: أن تشهد بأعمالك بأنه لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله، كما شهدتَ ذلك في اعتقادك وكما نطقتَ به بلسانك.
*وأن تُخْلِص لله الأعمال لتتطابق أحوالك كلها على الإخلاص والصدق في القول وفي القصد وفي العمل.
والقَدْر المطلوب مِن الإخلاص هو: ما تَبْلُغُ به رضا الله تعالى، وتجتنب به سخط الله تعالى.
مقتضيات الإخلاص:
إنّ مِن مقتضيات الإخلاص أن يَتحقق في حياة الإنسان ما يلي:
*أن يكون الإخلاص رقيبًا على الإنسان، وهو خير شرطيّ -من داخل الإنسان- يمنعه من المخالفات، ويدفعه إلى فعل الطاعات.
*وأن يراقب الإنسان نفسه، ويُحاسبها في الغيب والشهادة، أي عندما
_________
(١) سيأتي موضوعٌ عن: مقاييس الإخلاص. قريبًا.
1 / 15
يكون مع الناس وعندما يكون خاليًا، ويُحاكمَها في ضوء حقائق الإيمان ومقتضياته.
*وأن يستجيب العبد لداعي الإيمان بالغيب، كاستجابته لداعي الإيمان بالشهادة " أي المشاهد المحسوس "، أو أشد، ويَستجيب لحقائق الإيمان بالغيب، ويُقدِّمَ مقتضيات الإيمان به على المصالح المادية، أو الصوارف المادية الأخرى.
ومِن الأمثلة لتطبيقات هذا المعنى ما يلي:
-إن من مقتضى الإخلاص أن يكون حديث المتحدّث عن الإخلاص بإخلاص، وإلا فما قيمة الحديث عن الإخلاص بغير إخلاص؟!.
وماذا يُجْدي في تحصيل الإخلاص الكلامُ عنه على غير إخلاص؟!.
-كما أن من مقتضيات الفقه أن يكون الحديث عن موضوع الفقه بفقه، أو عن فقهٍ، وإلا فما قيمة كلام المتكلم عن الفقه بغير فقه؟!.
وماذا يُجْدي في تحصيل الفقه الكلام عنه على غير فقه؟!.
وهل قَتَلَ الإخلاصَ شيء كما قتله الكلام عنه على غير إخلاص؟!.
وهل قَتَلَ الفقه شيء كما قتله الكلام عنه على غير فقه؟!.
ولهذا ربما كان حديثُ غير المُخْلِص عن الإخلاص نفاقًا ورياء!.
ولهذا ربما كان حديثُ غير الفقيه عن الفقه نوعًا من البَلَهِ!.
-وهل يستقيم أن يُمْدَحَ الإخلاص رياءً؟!.
-وأن يُمْدح الصدق كذبًا؟!
1 / 16
-أو أن ندعو إلى اللغة العربية بالعامية، أو بكلام خارجٍ عن الالتزام
باللغة العربية؟!.
-إنّ مِن مقتضيات الإخلاص، ومفهومه، مراعاة التعامل مع المقاصد والغايات، والنظر في التعامل إلى حقائق الأشياء.
-ومِن ذلك أن يكون تَوَجُّهُ المعلِّم والمتعلِّم في علمهما-مثلًا- إلى حقائق العلم وليس إلى صُوَرِهْ فقط.
قال الإمام أحمد بن محمد المقدسيّ ﵀: ""فأمّا عِلْم المعاملة، وهو علم أحوال القلب: كالخوف، والرجاء، والرضا، والصدق، والإخلاص وغير ذلك، فهذا العلم به ارتفع العلماء، وبتحقيقه اشتهرت أذكارهم، كسفيان الثوري، وأبي حنيفة، ومالك، والشافعي، وأحمد.
وإنما انحطت رتبة المسمَّين بالفقهاء والعلماء عن تلك المقامات، لتشاغلهم بصُوَرِ العلم من غير أخذٍ على النفس أنْ تَبْلُغَ إلى حقائقه وتعمل بخفاياه. وأنت تجد الفقيه يتكلم في الظهار، واللعان، والسبق، والرمي، ويفرِّع التفريعات التي تمضي الدهور فيها ولا يحتاج إلى مسألة منها؛ ولا يتكلم في الإخلاص، ولا يحذر من الرياء، وهذا عليه فرض عين؛ لأن في إهماله هلاكَهُ، والأول فرض كفاية.
ولو أنه سئل عن علة ترك المناقشة للنفس في الإخلاص والرياء لم يكن
له جواب.
ولو سئل عن علة تشاغله بمسائل اللعان والرمي، لقال: هذا فرضُ كفاية.
ولقد صدق، ولكن خفي عليه أن الحساب فرض كفاية أيضًا، فهلاّ تشاغل به. وإنما تُبَهْرِجُ عليه النفسُ؛ لأن مقصودها من الرياء والسمعة يحصل
1 / 17
بالمناظرة، لا بالحساب"""١".
وقال أيضًا:
"فكن أحد رجلين: إما مشغولًا بنفسك، وإما متفرغًا لغيرك بعد الفراغ من نفسك. وإياك أن تشتغل بما يُصْلِح غيرَك قبل إصلاح نفسك"٢"، واشتغلْ بإصلاح باطنك وتطهيره من الصفات الذميمة: كالحرص، والحسد، والرياء، والعُجْب، قبل إصلاح ظاهرك ...، فإنْ لم تفرغ من ذلك فلا تشتغل بفروض الكفايات؛ فإن في الخلق كثيرًا يقومون بذلك، فإنّ مُهْلِكَ نفسه في طلب إصلاح غيره سفيهٌ، ومَثَلُه مثل من دخلت العقاربُ تحت ثيابه، وهو يَذُبُّ الذباب عن غيره.
فإن تفرغتَ من نفسك وتطهيرها -وما أبعد ذلك- فاشتغل بفروض الكفايات، وراعِ التدريج في ذلك.
فابتدئ بكتاب الله ﷿، ثم بسنة رسوله ﷺ، ثم بعلوم القرآن: من التفسير، ومن ناسخ ومنسوخ، ومحكَمٍ ومتشابه، إلى غير ذلك.
وكذلك في السنّة، ثم اشتغل بالفروع، وأصول الفقه، وهكذا بقية العلوم، على ما يتسع له العمر، ويساعِد فيه الوقت.
ولا تستغرق عُمُرَك في فَنٍّ واحدٍ منها؛ طلبًا للاستقصاء؛ فإن العلم كثير،
_________
(١) "مختصر منهاج القاصدين"، أحمد بن محمد المقدسيّ، ص٢٠. ولا يَخفى أنّ كلام الإمام المقدسيّ-﵀-إنما هو عن تريبب الاشتغال بهذه العلوم، لا عن مبدأِ الاشتغال بها من حيث هو، وقد كان هو من الأئمة الذين اشتغلوا بهذا الواجب على أكمل وجهٍ.
(٢) هذا ليس على إطلاقه، كما سيأتي بعد قليل.
1 / 18
والعمر قصير. وهذه العلوم آلاتٌ يراد بها غيرها، وكل شيء يُطْلَبُ لغيره فلا ينبغي أن يُنْسى فيه المطلوب"""١".
وينبغي التنبه هنا إلى أن كلام الإمام المقدسي السابق فيما يتعلق بالنُصْحِ بعدم الاشتغال بما يصلح الآخرين، قبل إصلاح النفس، كلامٌ فيه نظرٌ، وذلك أن الإنسان لا يمكن أن يَفْرُغ من إصلاح نفسِه مادامت أنفاسه تتردد، ولو أُخِذَ بهذا الكلام على إطلاقه لبطلت الدعوة والأمر بالخير، والسعي في إصلاح الآخرين. وهذا الظاهر ليس هو مراده-﵀-وإنما أراد التأكيد على إصلاح النفس، والبعد بها عن حال المنافقين الذين يقولون ما لا يفعلون.
ولكن نقول: اعملْ على إصلاح نفسكَ، وإصلاح غيركَ في خطّين متوازيين مع التركيز على نفسك، أكثر.
علمًا بأن الاشتغال بإصلاح الآخرين فيه إصلاح للنفس.
_________
(١) مختصر منهاج القاصدين، ص٢٢، أحمد بن محمد المقدسيّ، وهذا، واللهِ، كلامٌ منهجيٌّ نفيس.
مفهوم الإخلاص والتجرد الكامل: قد يأتي هنا تساؤلٌ مهم، وهو: هل مِن لازِم الإخلاص التجرد الكامل، بمعنى أنه يُشترط لتحقيق الإخلاص أن لا يكون للإنسان مصلحةٌ مادّيّة، أو دنيويّة إطلاقًا؟. والجواب هو: لا، لا يقتضي تحقيق الإخلاص في واقع حياة الإنسان، هذا التجرد الكامل، إلى الحدّ الذي يَخْرج فيه الإنسان عن منهج الله في جانبٍ
مفهوم الإخلاص والتجرد الكامل: قد يأتي هنا تساؤلٌ مهم، وهو: هل مِن لازِم الإخلاص التجرد الكامل، بمعنى أنه يُشترط لتحقيق الإخلاص أن لا يكون للإنسان مصلحةٌ مادّيّة، أو دنيويّة إطلاقًا؟. والجواب هو: لا، لا يقتضي تحقيق الإخلاص في واقع حياة الإنسان، هذا التجرد الكامل، إلى الحدّ الذي يَخْرج فيه الإنسان عن منهج الله في جانبٍ
1 / 19
آخر مِن الفهم والسلوك؛ بأنْ يُحَرِّم ما أباحه الله مِن أوجه الانتفاع الدنيويّ، التي يُمْكن له شرعًا أن يجنيها في الدنيا مِن وراء أعماله؛ بأن ينال مكافأةً أو عِوَضًا من الناس مادّيًّا أو معنويًّا- بما فيها بعض أنواعٍ من الطاعات الوارد فيها شرعًا مثل هذه المشروعية-.
أما الفوائد التي ينالها العبد من الله في الدنيا جزاءً لعمله فهذه مِن ثواب الله، والأصل في العبادات أن يَجْني العبد نفْعها من الله في الدنيا وفي الآخرة، وعلى هذا جاءت نصوص الوعد الإلهيّ؛ إذ جاءت أحيانًا بالوعد بالثواب في الآخرة، وأحيانًا بالثواب في الدنيا والآخرة، ومرّةً مطْلقةً. والله سبحانه قد شرع العِبادةَ لِعِبادِهِ لينتفعوا هم بها في الدنيا وفي الآخرة، والله غنيٌّ عن العالمين.
فالإخلاص لله؛ إذَنْ، لا يوجب، أو لا يُبيح لصاحبه الخروج عن منهج الله وشرعه. والمقياس في مفهوم التجرد لله هو مقياس الشرع، وليس مجرد الرغبة الإيمانية في التجرد.
وفي النصوص الشرعيّة أمثلةٌ وأدلةٌ تَدُل على صوابِ هذه الملحوظة في معنى الإخلاص، وتلك النصوص تُعَدُّ ضابطًا يمنع من الشطط والميل عن الصواب، سواء كان هذا الميل إلى الغلوّ أو إلى التقصير. ومِن الأمثلة على ذلك ما يلي:
المثال الأول:
الجهاد في سبيل الله: فهو على الرغم من النصوص المتكاثرة المؤكِّدة على اشتراط الإخلاص لله فيه، وعلى خطورة خلوّه من هذا الشرط وعاقبةِ ذلك؛
1 / 20
إلا أن الله أباح للمجاهد الغنائم، وهي أمرٌ دنيويّ.
لكن نلاحظ أن هذه الغنائم التي أباحها الله للمجاهد، هي الأمر ذاته الذي نهى الله المجاهدين عن أن يكون جهادهم من أجله، وأحبطَ به جهاد من قَصَده منهم لذاته.
فقد روى عبادة بن الصامت ﵁ عن النبي ﷺ أنه قال: "مَنْ غَزَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَمْ يَنْوِ إِلا عِقَالًا فَلَهُ مَا نَوَى" "١".
وقد وردت نصوص تدل على عدم المنع من إرادة الغنائم، طالما أن الجهاد إنما هو لتكون كلمة الله هي العليا. ومن هذه النصوص:
- عَنْ أَبِي مُوسَى ﵁ قال: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ ﷺ فَقال: الرَّجُلُ يُقَاتِلُ لِلْمَغْنَمِ، وَالرَّجُلُ يُقَاتِلُ لِلذِّكْرِ، وَالرَّجُلُ يُقَاتِلُ لِيُرَى مَكَانُهُ؛ فَمَنْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ؟. قال: "مَنْ قَاتَلَ لِتَكُونَ كَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا؛ فَهُوَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ" "٢".
قال ابن حجر:
"وفي الحديث شاهدٌ لحديثِ: "الأعمال بالنيات" ... وأن الفضل الذي ورد في المجاهدين مختص بمن قاتل لإعلاء دين الله ... " "٣".
وأشار ابن حجر إلى أنّ الحالات المسؤول عنها هي:
_________
(١) النسائي، ٣١٣٨، ٣١٣٩، الجهاد، وأحمد، ٢٢١٨٤، ٢٢٢٢١، ٢٢٢٨٢، والدارمي، ٢٤١٦، الجهاد.
(٢) البخاري، ٢٨١٠، في الجهاد والسير، والعلم، ١٢٣ وأخرجه في مواضع بألفاظ متقاربة، ومسلم، ١٩٠٤، في الإمارة، وغيرهما.
(٣) الفتح: ١/٢٢٢.
1 / 21
- الرجل يقاتل للمغنم.
- الرجل يقاتل للذكر.
- الرجل يقاتل لِيُرَى مكانه.
- الرجل يقاتل رياء.
- الرجل يقاتل غضبًا.
قال ابن حجر: "فالحاصل من رواياتهم أن القتال يقع بسبب خمسة أشياء: طلب المغنم، وإظهار الشجاعة، والرياء، والحمِيّة، والغضب، وكلٌّ منها يتناوله المدح والذم [يَقْصد أنّ حكمه يختلف باختلاف النية والباعث]؛ فلهذا لم يَحْصل الجواب بالإثبات ولا بالنفي.
قوله: "من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا فهو في سبيل الله"، المراد بكلمة الله: دعوة الله إلى الإسلام.
ويحتمل أن يكون المراد: أنه لا يكون في سبيل الله إلا من كان سبب قتاله طلب إعلاء كلمة الله فقط، بمعنى أنه لو أضاف إلى ذلك سببًا من الأسباب المذكورة أَخلَّ بذلك.
ويحتمل أن لا يُخِلّ إذا حَصَل ضِمنًا، لا أصلًا ومقصودًا.
وبذلك صَرّح الطبري فقال: إذا كان أصل الباعث هو الأول لا يضره ما عَرَض له بعد ذلك.
وبذلك قال الجمهور.
لكن روى أبو داود والنسائي، من حديث أبي أمامة، بإسنادٍ جيدٍ، قال: جاء رجل، فقال: يا رسول الله؛ أرأيت رجلًا غزا يلتمس الأجر والذكر، ما
1 / 22
له؟. قال: "لا شيء له"، فأعادها ثلاثًا، كلُّ ذلك يقول: "لا شيء له"، ثم قال رسول الله ﷺ: "إن الله لا يقبل من العمل إلا ما كان له خالصًا، وابتُغي به وجهه".
ويمكن أن يُحمل هذا على من قصد الأمرين معًا، على حدٍ واحد؛ فلا يخالف المرجَّح أوّلًا.
فتصير المراتب خمسًا:
١ - أن يقصد الشيئين معًا.
٢ و٣ - أو يقصد أحدهما صِرفًا.
٤ و٥ - أو يقصد أحدهما ويَحْصل الآخرُ ضِمنًا.
فالمحذور أن يقصد غير الإعلاء، فقد يحصل الإعلاء ضمنًا، وقد لا يحصل، ويدخل تحته مرتبتان"١".
وهذا ما دل عليه حديث أبي موسى.
ودونه أن يقصدهما معًا فهو محذور أيضًا، على ما دل عليه حديث أبي أُمامة، والمطلوب أن يقصد الإعلاء صرفًا، وقد يحصل غير الإعلاء وقد لا يحصل؛ ففيه مرتبتان أيضًا، قال ابن أبي جمرة: ذهب المحققون إلى أنه إذا كان الباعثُ الأولُ قصْدَ إعلاء كلمة الله لم يضره ما انضاف إليه. اهـ.
ويدل على أن دخول غير الإعلاء ضمنًا لا يقدح في الإعلاء، إذا كان
_________
(١) وهما:١- أن يقصد غير الإعلاء، ولا يَحْصل الإعلاء.
٢- أن يقصد غير الإعلاء، ويحصل الإعلاء ضِمْنًا.
1 / 23
الإعلاء هو الباعث الأصلي، ما رواه أبو داود، بإسنادٍ حسنٍ، عن عبد الله
ابن حوالة قال: بَعَثَنَا رَسُولُ اللَّهِ ﷺ لِنَغْنَمَ عَلَى أَقْدَامِنَا؛ فَرَجَعْنَا فَلَمْ نَغْنَمْ شَيْئًا وَعَرَفَ الْجَهْدَ فِي وُجُوهِنَا؛ فَقَامَ فِينَا، فَقَالَ: "اللَّهُمَّ لا تَكِلْهُمْ إِلَيَّ فَأَضْعُفَ عَنْهُمْ، وَلا تَكِلْهُمْ إِلَى أَنْفُسِهِمْ فَيَعْجِزُوا عَنْهَا، وَلا تَكِلْهُمْ إِلَى النَّاسِ فَيَسْتَأْثِرُوا عَلَيْهِمْ" "١" ... ""٢".
المثال الثاني:
فِعْل المعروف المتبادَل بين المسلم وأخيه المسلم: فهو أمرٌ مباح، بل هو مما أمر الله به المسلمين. فلو أهدى إنسان إلى آخر شيئًا مادّيًّا ثمينًا طمعًا في ثواب الله، ثم كافأه صاحبه بهديّةٍ مادّيّة مثلها، أو أحسن، فإنه يباح له أخذها، بل هذا هو الأَولى-ما لم يَمْنع منه مانعٌ شرعيّ آخر-على الرغم مِن أنه قد كانت هديته لوجه الله، لا يريد من ورائها جزاءً من المخلوق. والنصوص معلومة في الأمر بالتهادي، ونحو ذلك من أفعال البر التي مِن هذا القبيل.
والمؤكَّد أنه يَحبطُ العملُ بإرادة الدنيا في الحالات التالية:
- أن يكون العمل طاعة ليست قابلةً لأخْذِ شيءٍ من الدنيا، عليها أو معها، كأن يُصلي الإنسان، الصلاة المأمور بها، لشيءٍ من الدنيا، أيًا كان، وكأن يقرأ القرآن ويتقاضى على قراءته مكسبًا مادّيًّا يقرأ من أجله-وهذا بخلاف الأجرة على تعليم القرآن-.
_________
(١) أبو داود، ٢٥٣٥، الجهاد، وأحمد، ٢١٩٨١.
(٢) ابن حجر، الفتح، ١٣/٤٤٢.
1 / 24
- أن يكون العمل عبادةً مأذونًا للإنسان فيها أن يَحصل مِن ورائها على شيء من المكاسب الدنيوية، إذا جاءت تبعًا، أو جاءت بسبب هذه العبادة، إذا لم يكن هذا القصد الثاني مخلًاّ بالنية الصالحة، كالجهاد مع الغنيمة؛ لكن يُبطل هذه العبادة أن يَعْمد الإنسان إلى الجهاد قصدًا للمغنم فقط، أو إلى المغنم في الأصل ونيةِ الجهاد في سبيل الله تبعًا.
وكذلك في حال استواء القصدين؛ فإنّ الذي يترجح، بمقتضى الأدلة، التحاق ذلك بحالاتِ عدم الإخلاص المحبطة للعمل؛ لأن معنى أن يكون العمل لله: أن تكون إرادةُ وجه الله كافيةً في الاستقلال بتحريك الإنسان للعمل، ولعل هذا مقياسٌ صحيح مطّرد للتفريق بين الإخلاص وعدمه، وللتفريق بين المقاصد الدنيوية، أو المصالح الدنيوية، المنافية للإخلاص
وغير المنافية له.
حكمُ النيّة في العمل: - النيّة في اللغة: هي نوعٌ مِن القصْدُ، والإرادة"١". وهي الباعثُ الذي يختفي وراء أعمالنا، ويكون سببًا في القيام بها. والنيّة الباعثة على القيام بطاعةٍ ما: إما أن تكون نيّةً صالحة: وهي تلك النيّة التي تدفع صاحبها إلى القيام بالطاعة متِّجِهًا بها إلى الله تعالى، مستشعرًا في ذلك معنى العبودية لله والتعبّد _________ (١) "جامع العلوم والحكم ... "، لابن رجب، الرياض، مكتبة العبيكان، ١٤١٨هـ-١٩٩٧م، ١/٢٦.
حكمُ النيّة في العمل: - النيّة في اللغة: هي نوعٌ مِن القصْدُ، والإرادة"١". وهي الباعثُ الذي يختفي وراء أعمالنا، ويكون سببًا في القيام بها. والنيّة الباعثة على القيام بطاعةٍ ما: إما أن تكون نيّةً صالحة: وهي تلك النيّة التي تدفع صاحبها إلى القيام بالطاعة متِّجِهًا بها إلى الله تعالى، مستشعرًا في ذلك معنى العبودية لله والتعبّد _________ (١) "جامع العلوم والحكم ... "، لابن رجب، الرياض، مكتبة العبيكان، ١٤١٨هـ-١٩٩٧م، ١/٢٦.
1 / 25
والقربة، فهذه هي النيّة الصالحة التي لا يقبل الله تعالى عملًا بدونها.
وإما أن تكون النيّة نيّةً غير صالحة، وهي تلك النيّة التي تدفع صاحبها للتوجه بالعمل من أعمال الطاعة لغير الله تعالى، إما جزئيًا: وهو التشريك في النيّة، ومنه الرياء، والشرك الأصغر، أو كليًّا: وهو الرياء المحض، فذلك من عبادةِ ما سِوى الله معه سبحانه.
فأنت ترى، بهذا، كيف أثّرت النيّة في قبول العمل عند الله، ﷿، أو في ردِّه على صاحبه. إن الصورة أمام الناس هي أن هذا العمل طاعةٌ: مِن صلاةٍ أو صيامٍ أو حجٍ، ويقول الناس: صلّى فلان، أو صام فلان، أو حج فلان؛ لأنهم يرونه قد ذهب إلى الحج مثلًا، وأَتى بالأعمال الظاهرة المأمور بها شرعًا، ولكنه عند الله تعالى، تُقَدِّمُهُ نيتُه أو تؤخّرُهُ:
فإنْ كانت نيته صالحة خالصة لله سبحانه، وكان عملُهُ قد وافق ما أمره الله به، فهو قد حَجَّ حقيقةً.
وأمّا إن كان قد نوى بحجه غير الله تعالى؛ فهو وإن كانت الصورة أنه قد حج، إلا أنه عند الله لم يحج، لأن نيته قد أحبطت ذلك العمل الطيب، وأبطلت أجره، بل لم يَقِف الأمر عند هذا الحدّ- أعني بطلان العمل، وفوات الأجر- بل يتعداه إلى الوزْر، لأن هذا الحج مثلًا، وهو عملٌ من أعمال الطاعة، انقلب بالنية السيئة إلى معصيةٍ يحاسَبُ عليها الإنسان، ويقول الله له يوم القيامة: لَمْ تعمل هذا من أجلي، اذهب للذي عملته من أجله يكافئك عليه.
والنية الصالحة سببٌ لدخول الإنسان الجنة ونَيْل رضا الله، والنية السيئة سببٌ لدخول الإنسان النار، والوقوع في سخط الله؛ ففي الصحيحين
1 / 26