هوامش
الفصل الثاني
ولادة وليم
قلنا أن رولو اتخذ مدينة روان عاصمة إمارته، وجعلها غاية في المنعة والحصانة، بحيث صارت العظمى في مقاطعة نورماندي، ولا تزال كذلك في الوقت الحاضر، على أنها لم تبق مركزا للخلافة في عهد الأمراء الذين خلفوا رولو، فإن الأمير روبرت أبا وليم - وهو السادس في السلسلة الدوكية - غادرها واتخذ قلعة كبيرة في فاليس مقرا لإمارته، وتلك القلعة كانت مبنية على أكمة تبعد قليلا عن المدينة، وقد مضى عليها عهد طويل وهي مهجورة متروكة صلقعا بلقعا، على أن أطلالها ورسومها لا تزال إلى الآن تشهد على عظمتها الغابرة، وشهرة رفعتها الدابرة، بل لا تزال محط ركاب السياح المتقاطرين إليها من جميع النواحي؛ ليشاهدوا مولد (مكان ولادة) ذلك البطل القاهر والملك الظافر.
أما تلك الهضبة المبنية عليها القلعة، فكانت تنتهي من إحدى جهاتها بأحادير صخرية، ومثلها من جهتين أخريين، بحيث كان يتعذر على العدو الصعود إليها من هذه الجهات الثلاث المحاطة بالأحادير والأجراف، وأما جهتها الرابعة فكانت كذلك من حيث التحدر والعلو، ومنها المدخل بطريق كثيرة التعاريج تخرج من المدينة إلى القلعة، وكان الموصل بينهما محصنا على الجانبين بخندق وجسر يوضع عند المرور ويرفع بعده، وعلى كل من جانبي بوابة القلعة برج حصين زيادة في المنعة، وفي الوادي بين المدينة والقلعة نهر صغير يجري وينعطف دائرا على حضيض تلك الهضبة، فيحيط بها إحاطة الهالة بالقمر والأكمام بالثمر، أما دار القلعة فكانت محصنة بسور كثيف غاية في القوة والمتانة، وداخله أبنية كثيرة عديدة متفرقة منها: كنيسة وبرج مربع الشكل مبني من حجر أبيض، وقيل: إنه لا يزال باقيا للآن غير منهدم فيه شيء، وعلى أربع جهات السور مراقب أو أبراج كان يقضي فيها الخفراء أدق الخفارة نهارا وليلا احتسابا من مفاجأة الأعداء، وكانت تلك المراقب تطل على بر شاسع وسهل واسع، وحقول مزينة بأنواع الأشجار، ورياض مرصعة بالأنوار والأزهار، تدبجت فيها الألوان هذا أبيض وذاك أخضر وذلك أحمر، وتأرجت منها الأطياب هذا ورد وذاك نرجس وذلك مسك أذخر، وبينها مجاري أنهر صافية يترقرق عذبها على ذياك العقيق، بما يذكرك العذيب والعقيق، ويسيل لجين مائها على در حصبائها، ويطيب القلب باعتلال هوائها:
لله روض في أبيطح غابة
آسادها صرعى عيون ظبائه
فلجينه من مائه، والعطر من
أرجائه، والدر من حصبائه
وقد مر بنا أن أبا وليم روبرت كان السادس في سلسلة الإمارة، وعليه يكون وليم خلفه السابع، ولما كان من غرض راوي الحوادث إفادة القارئ فائدة تاريخية، فضلا عن تسليته بما يتنزل لديه منزلة قصة؛ رأينا أن نأتي إلى حادثة ولادة وليم على طريق تاريخ موجز عن كل حلقات السلسلة الدوكية من رولو إلى وليم.
Shafi da ba'a sani ba