Tarihin Al'ummar Larabawa a Zamanin Khalifofin Rashiɗai
عصر الخلفاء الراشدين: تاريخ الأمة العربية (الجزء الثالث)
Nau'ikan
صلى الله عليه وسلم وأبي بكر
(1) إسلامه
ظهرت الدعوة المحمدية ولعمر بن الخطاب نيف وعشرون سنة، وكان فتى قرشيا معتزا بعشيرته وتقاليدها، عنيفا في الحفاظ على أمجادها وآثارها، رأى آباءه يدينون بدين فاعتنقه، واشتدت حماسته لهذا الدين، وما عتم أن رأى ظهور فتى من قريش أخذ يهاجم هذا الدين، ويتهم عقول أصحابه ويطعن في عقيدتهم ويسفه أحلامهم، وكان عمر، على الرغم من إيمانه بشرف نفس صاحب الدعوة الجديدة وثقته بأمانته ونبل خلقه، يعز عليه أن يراه يهاجم قومه وينتقد دينهم الذي توارثوه عن الآباء والأجداد؛ ولذلك اشترك عمر في الحملة التي كان يشنها مناوئو محمد عليه، فانتقده وعذب الذين صبئوا عن دين قومهم، واشترك في الإساءة إلى القوم الذين بدلوا دينهم، ولكنه حين رآهم يخرجون من ديارهم وأموالهم، وينادون بسقوط من اضطروهم على الخروج ومغادرة مسقط رأسهم إلى أرض بعيدة ولكنهم سيأمنون فيها على دينهم، رأى ذلك كله فأشفق عليهم، ورثى لحالهم، وتألم كما يتألم كل فتى حيي القلب ناشط الوجدان، يرى أحرار قومه من أرباب العقيدة الجديدة يفضلون حياة التشرد على أن يبقوا في أرضهم ويتابعوا ضلالهم وفجارهم.
روى ابن هشام صاحب السيرة عن أم عبد الله بن حنتمة أنها قالت يوم الهجرة: لما كنا نرتحل مهاجرين إلى الحبشة أقبل عمر بن الخطاب حتى وقف علي، وكنا نلقى منه البلاء والأذى والغلظة علينا، فقال لي : إنه الانطلاق يا أم عبد الله؟ قلت: نعم، والله لنخرجن في أرض الله ... آذيتمونا وقهرتمونا، حتى يجعل الله لنا فرجا. فقال: «صحبكم الله.» ورأيت منه رقة لم أرها قط.
ولقد تعددت الروايات في أسباب إسلام عمر، ولكنها كلها تتفق في شيء واحد، وهو أنه أراد أن يضع حدا لهذا التبلبل النفسي الذي سيطر عليه لما ظهر الإسلام وأخذت دعوة الرسول تنتشر في أرجاء مكة؛ فقد رأى أن بعض عقلاء قريش كأبي بكر بن أبي قحافة، وعلي بن أبي طالب، وخديجة بنت خويلد، وغيرهم من الأذكياء الأمناء قد دخلوا في الدين الجديد، ولا يعقل أن يكون كل هؤلاء قد صبئوا عن الدين القديم دون أن يناقشوا الدين الجديد ويمحصوه، ويتبنوا صدق ما جاء به صاحبه، فلا بد أن يكون ثمة شيء جديد جدير بالتفكير والدرس، ولكن عزة الجاهلية ونخوتها التعسفية كانتا تحولان دون سؤاله عن هذا الدين وسماعه لما جاء به محمد من القرآن والحكمة، إلى أن كانت حادثة أخته وإسلامها ودخوله عليها وهي ترتل القرآن، فقد روى أنس بن مالك قال: «خرج عمر يوما متقلدا السيف، فلقيه رجل من بني زهرة، فقال: أين تعمد يا عمر؟ فقال: أريد أن أقتل محمدا، قال: كيف تأمن من بني هاشم ومن بني زهرة وقد قتلت محمدا؟ فقال له عمر: ما أراك إلا قد صبأت وتركت دينك الذي أنت عليه! قال: أفلا أدلك على العجب يا عمر؟ إن أختك وختنك قد صبوا وتركا دينك الذي أنت عليه؛ فمشى عمر حتى أتاهما وعندهما رجل من المهاجرين يقال له خباب بن الأرت، فلما سمع خباب حس عمر توارى في البيت، فدخل عليهما فقال لهما: ما هذه الهينمة التي سمعتها عندكم؟
قال: وكانوا يقرءون سورة «طه»، فقالا: ما عدا حديثا تحدثناه بيننا. قال: فلعلكما قد صبوتما؟ فقال له ختنه: أرأيت يا عمر إن كان الحق في غير دينك؟ فوثب عمر على ختنه فوطئه وطئا شديدا، فجاءت أخته فدفعته عن زوجها، فنفحها نفحة بيده فدمي وجهها، فقالت وهي غضبى: يا عمر إن كان الحق في غير دينك، أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله! فلما تبين عمر قال: أعطوني هذا الكتاب الذي عندكم فأقرأه. وكان عمر يقرأ الكتب، فقالت أخته: إنك رجس ولا يمسه إلا المطهرون، قم فاغتسل أو توضأ. فقام فتوضأ ثم أخذ الكتاب، فقرأ:
طه
حتى أتى إلى قوله سبحانه:
إنني أنا الله لا إله إلا أنا فاعبدني وأقم الصلاة لذكري .
فقال عمر: دلوني على محمد. فلما سمع خباب قول عمر خرج من البيت، فقال: أبشر يا عمر! فإني أرجو أن تكون دعوة رسول الله لك ليلة الخميس: «اللهم أعز الإسلام بعمر بن الخطاب، وبعمرو بن هشام.» قال: ورسول الله
Shafi da ba'a sani ba