Tarihin Al'ummar Larabawa a Zamanin Khalifofin Rashiɗai
عصر الخلفاء الراشدين: تاريخ الأمة العربية (الجزء الثالث)
Nau'ikan
وكان سبب ارتداد أكثر العرب أنهم كانوا يظنون أن الرسول حي خالد لن يموت، وأنه سفير الله يبلغه أوامره ونواهيه، وأنه معصوم عن كل خطأ وزلل وموت، فلما انتقل الرسول إلى جوار ربه طاش صوابهم، وأخذ بعض شياطين العرب الطامعين في الملك والسلطان ينشرون الفتن بين الناس، ويكررون ما كان قاله شاعر المرتدين الخطيل بن أوس أخو الحطيئة:
أطعنا رسول الله ما كان بيننا
فيا لعباد الله ما لأبي بكر
أيورثها بكرا إذا مات بعده
فتلك لعمر الله قاصمة الظهر
ثم إن جماعة من هؤلاء الطامعين أخذوا يشيعون في قبائلهم أن قريشا تريد أن تستعبد الناس وأن تجعل النبوة ملكا لها تتوارثه في أبنائها، وقد تجلى شيء من هذا الخوف في يوم السقيفة كما أسلفنا، ولكن حزم أبي بكر ورصانة الأنصار وطهارة قلوبهم وعمق الإيمان في قلوبهم جعل هذه الفتنة قصيرة الأمد، فاستسلمت أصحابها لأمر أبي بكر وخضعت للأمر الواقع، ولكن أعراب الأطراف وزعماء النواحي الطامعين لم يقبلوا بهذا الأمر الواقع فاستغلوها فرصة لشق عصا الطاعة وتفريق كلمة المسلمين.
وأول من شق العصا هم بنو عبس وذبيان؛ فإنهم خرجوا من ديارهم بنجد وجبل طيء، وساروا نحو المدينة حتى نزلوا بالأبرق وذي القصة، وبعثوا وفدا منهم إلى أبي بكر يطلبون إليه أن يعفيهم من الزكاة، وأن يقتصروا على أركان الإسلام الأربعة الباقية، فلما سمع أبو بكر مقالتهم اشتد غضبه وعزم على حربهم، وقال: والله لو منعوني عقالا لجاهدتهم عليه. ثم رجع الوفد إلى أصحابهم وأخبروهم بقلة من في المدينة من الرجال؛ لأن بعث أسامة لم يكن قد عاد بعد، وأحس أبو بكر بسليم فطرته أن القوم يبيتون أمرا، فجعل على أنقاب المدينة عليا والزبير وطلحة وعبد الله بن مسعود، ودعا الناس إلى المسجد، وقال لهم: «إن الأرض كافرة، وقد رأى وفدهم منكم قلة، وإنكم لا تدرون أليلا تؤتون أم نهارا، وأدناهم منكم على بريد. وكان القوم يأملون أن نقبل منهم ونوادعهم، وقد أبينا عليهم ونبذنا إليهم عهدهم، فاستعدوا وأعدوا.» فما لبث المرتدون إلا ثلاثا حتى طرقوا المدينة غارة مع الليل، وخلفوا بعضهم بذي حسى ليكونوا لهم ردءا، فلما بلغوا الأنقاب قاتلهم أهلها، وبلغ الخبر أبا بكر فبعث إلى أمراء الأنقاب أن الزموا أماكنكم، ثم خرج في أهل المدينة على النواضح - وهي إبل السقي - فلما علم المرتدون بقدوم أبي بكر هربوا، فتبعهم المسلمون إلى أن بلغوا وادي «ذي خشب»، فخرج عليهم الردء الذين خلفهم المرتدون بذي حسى والتقى الجمعان، وكادت الدائرة تدور على المرتدين لولا أنهم لجئوا إلى حيلة غريبة، هي أنهم نفخوا الأنحاء - أي القرب - التي كانت معهم وجعلوا فيها الحبال، ثم أخذوا يدهدهونها بأرجلهم في وجوه الإبل، فنفرت إبل المسلمين وهم عليها - ولا تنفر الإبل من شيء مثل نفارها من الأنحاء - فثارت الإبل وقفلت راجعة بالمسلمين حتى دخلت بهم المدينة، ولكن لم يقتل من المسلمين أحد ولا صرع، وفي ذلك يقول الخطيل بن أوس أخو الحطيئة الشاعر:
فدى لبني ذبيان رحلي وناقتي
عشية يحدي بالرماح أبو بكر
ولكن يدهدي بالرجال فهبنه
Shafi da ba'a sani ba