Tarihin Al'ummar Larabawa a Zamanin Khalifofin Rashiɗai
عصر الخلفاء الراشدين: تاريخ الأمة العربية (الجزء الثالث)
Nau'ikan
14
هذا طرف من عقيدة الإمام عليه السلام في البارئ سبحانه وتنزيهه، وهي العقيدة التي جاء بها الإسلام، ولكن الإمام أرسل عليها قبسا من بلاغته، وكان عليه السلام يكره البحث في حقيقة الإله، والقضاء والقدر، وغيرها من الأمور الغيبية؛ فقد سأله مرة أحد الناس أن يصف له الله - تعالى عن ذلك - فوبخه ونهاه عن البحث في أمثال هذه الأمور، وقال فيما قال له: «اعلم أن الراسخين في العلم هم الذين أغناهم، عن اقتحام السدود المضروبة دون الغيوب، الإقرار بجملة ما جهلوا تفسيره من الغيب المحجوب.» والحق أن رأي الإمام عليه السلام في هذه القضية لا يتجاوز عقيدة الإسلام وعقيدة أهل السنة والتوحيد المطلق، وآراؤه بهذا الصدد منثورة في ثنايا «نهج البلاغة». وأما رأيه في المؤمن وما يجب أن يتصف به ليتقرب من الله سبحانه فيمكن تلخيصه في:
البعد عن الهوى ومطاوعة الشيطان وطول الأمل، والزهد في الدنيا، مع القيام بجميع واجبات الله سبحانه. ومما ورد عنه في ذلك قوله في وصف قوم خرجوا على الحدود الدينية: «اتخذوا الشيطان لأمرهم ملاكا، واتخذهم له أشراكا، فباض فيهم وفرخ في صدورهم، ودب ودرج في حجورهم، فنظر بأعينهم، ونطق بألسنتهم، فركب بهم الزلل، وزين لهم الخطل، فعل من قد شركه الشيطان في سلطانه، ونطق بالباطل على لسانه.»
15
وأما إرشاداته ونصائحه للناس فيما يجب أن يتصفوا به ليعيشوا سعداء متآخين آمنين، فتتجلى في دعوته إلى فاضل الأخلاق وكريمها، كقوله: «واحذر كل عمل يعمل به في السر ويستحى منه في العلانية.» وقوله: «إن أبغض الخلائق إلى الله جل جلاله رجلان: رجل وكله الله إلى نفسه فهو جائر عن قصد السبيل، ورجل قمش جهلا موضع في جهال الأمة، عاد في أغباش الفتنة، عم بما في عقد الهدنة، قد سماه أشباه الناس عالما وليس به بكر، فاستكثر من جمع ما قل منه خير مما كثر.»
16
فأنت ترى من وراء هذه الكلمات نفسا عرفت حقائق هذه الحياة وخبرتها، ففاض بها لسان الإمام ببيان ساحر، ونظم عجيب، ولو رحت تستقصي ما قاله في هذا الباب لرأيت أن النظريات الأخلاقية والمواعظ الاجتماعية والخطط العسكرية التي أوردها في خطبه هي ملاك الحياة، وتضم نظاما اجتماعيا قويما نافعا للناس في حالتي: السلم والحرب.
وأما نصائحه للمرء في تحديد واجباته نحو نفسه ليعيش سعيدا هانئا، فهي كنصائحه إليه ليعيش مع الناس، وإن من أوجب ما حض الإنسان عليه في هذا الموقف أن يخالف هوى النفس؛ لأنها أمارة بالسوء، قائدة إلى الشر: «من لم يعن على نفسه حتى يكون له منها واعظ وزاجر، لم يكن له من غيرها زاجر ولا واعظ.» و«لا يعجب الإنسان بنفسه، ولا يغتر بشبابه وماله، فإن هذا كله عرض فان.» و«إياك والإعجاب بنفسك، والثقة بما يعجبك منها، وحب الإطراء، فإن ذلك من أوثق فرص الشيطان في نفسه ليمحق ما يكون من إحسان المحسنين.»
وأما رأيه في السياسة والحكومة والقضاء فقد أكثر من الكلام فيه، ويمكننا تلخيص أقواله بالنقاط التالية:
إنه يرى أنه لا بد للمسلمين من أمير ينصب نفسه لإقامة الحدود، وسياسة الدولة، و«لا بد للناس من أمير بر أو فاجر، يعمل في إمرته المؤمن، ويستمتع فيها الكافر ... ويقاتل به العدو، وتأمن به السبل، ويؤخذ به للضعيف من القوي حتى يستريح بر ويستراح من فاجر.»
Shafi da ba'a sani ba