Tarihin Al'ummar Larabawa a Zamanin Khalifofin Rashiɗai
عصر الخلفاء الراشدين: تاريخ الأمة العربية (الجزء الثالث)
Nau'ikan
وكان ابن سبأ حين يبعث الدعاة يقول لهم: «أيها الناس، إن عثمان أخذ الخلافة بغير حق، وهذا علي وصي رسول الله
صلى الله عليه وسلم ، فانهضوا في هذا الأمر وحركوه، وابدءوا بالطعن على أمرائكم، وأظهروا الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر تستميلوا الناس، وادعوا إلى هذا الأمر.»
5
وقد انضم إلى هذه الفئة الحانقة جماعة من أبناء كبار الصحابة أمثال: محمد بن أبي حذيفة، ومحمد بن أبي بكر الصديق، أما محمد بن أبي حذيفة فقد كان تربى في كنف عثمان بعد وفاة أبيه، فلما تولى عثمان طلب إليه أن يوليه بعض الولايات فلم يقبل عثمان؛ إذ بلغه أنه شرب الخمر مرة، ثم إنه قصد مصر وخرج في غزوة ذات السواري مع ابن أبي سرح، فوقعت خصومة بينه وبين ابن أبي سرح، فحقد عليه وعلى عثمان، ولما جاء ابن سبأ إلى مصر وأخذ يدعو لعلي انضم إلى هذه الدعوة كرها في عثمان وعماله.
وأما محمد بن أبي بكر فقد كان ربيب الإمام علي عليه السلام؛ لأنه كان تزوج أمه أسماء بنت عميس بعد وفاة أبي بكر، وكان محمد بن أبي بكر والحسين بن علي عديلين؛ لأنهما تزوجا ابنتي يزدجرد الثالث ملك فارس، فلذلك انضم إلى الحركة العلوية، ولما علم محمد بن أبي بكر بأن مروان بن محمد كاتب عثمان قد كتب إلى عامل مصر ابن أبي سرح أن يقتل محمد بن أبي بكر ازدادت نقمته على عثمان، وأخذ يحرض الناس عليه.
ولما بلغت عثمان أنباء هذه الاضطرابات والأقوال في مصر والبصرة والكوفة رأى أن يتحقق أسبابها بنفسه، فبعث محمد بن سلمة إلى الكوفة، وأسامة بن زيد إلى البصرة، وعمار بن ياسر إلى مصر، كما أراد أن يتبين حقيقة الحال في الشام فبعث عبد الله بن عمر إليها ، وذهب كل إلى حيث بعث به، ورجع الجميع إلا عمارا، فإن الثوار استمالوه إلى صفوفهم، وبين كل من محمد بن سلمة، وأسامة بن زيد، وابن عمر، أسباب هذه الفتنة وما ينقمه الناس على عثمان، وأن سبب ذلك كله هو السخط الذي سببه ضعف الخليفة ولينه واستبداد قريش بالأمر، فأراد عثمان إصلاح الأمر، ولكن الوقت كان قد فات، فإن ابن سبأ قد اتفق هو وابن حذيفة على أن يكتب إلى ثوار العراق أن يشخصوا إلى المدينة، واتفقوا على وقت معين على ذلك، فذهب ثوار مصر إلى الحجاز، واجتمعوا في الوقت المعين بثوار العراق خارج المدينة، وأخذوا يبحثون في الأمور، واتفقوا على وجوب خلع عثمان واستخلاف آخر مكانه، فقال الكوفيون: نوليها طلحة، وقال البصريون: نوليها الزبير، وقال المصريون: بل علي بن أبي طالب. ولكن عثمان بعث إليهم فاستدعاهم وفدا وفدا، فأما أهل مصر فإنه استدعاهم وألان لهم القول، واتفق وإياهم على تلبية كل ما طلبوه، فقفلوا راجعين إلى مصرهم، وبينما هم في الطريق رأوا راكبا يتعرض لهم تارة ويفارقهم تارة أخرى، فتعقبوه وفتشوه فوجدوا معه كتابا على لسان عثمان وعليه خاتمه إلى عامله على مصر يأمره فيه أن يستأصل شأفة هذا النفر من الثوار المصريين، وبخاصة محمد بن أبي بكر، وابن أبي حذيفة، فقفلوا راجعين إلى المدينة ودخلوا على عثمان وأروه الكتاب، فحلف أنه لا علم له به، فطلبوا منه أن يسلم إليهم كاتبه مروان بن محمد فأبى أن يسلمهم إياه، فرجعوا إلى إخوانهم من ثوار الكوفة والبصرة، واتفقوا على خلع عثمان.
وأتى المصريون عليا وأعلموه بما عزموا عليه، فصاح بهم وطردهم، وقال لهم: لقد علم الصالحون أنكم ملعونون على لسان محمد
صلى الله عليه وسلم ، وكذلك فعل طلحة والزبير، فانصرف الجميع مظهرين الرجوع إلى بلادهم، وهم يبثون الثورة والفتك بعثمان، واتفق أمرهم على أن يحاصروا عثمان في داره ويطلبوا منه الاستقالة وأن يخلع نفسه، فقال عثمان: لا أخلع قميصا ألبسنيه الله عز وجل. وضيق الثوار الحصار عليه حتى منعوه من الصلاة في المسجد، فأرسل عثمان إلى الإمام علي وطلحة والزبير، فحضروا، فأشرف عليهم فقال: أيها القوم، اجلسوا، فجلسوا، ثم قال: «يا أهل المدينة، أستودعكم الله وأسأله أن يحسن عليكم الخلافة بعدي، ثم قال: أنشدكم الله، هل تعلمون أنكم عند مصاب عمر سألتم الله أن يختار لكم ويجمعكم على خيركم؟ أتقولون إن الله لم يستجب لكم؟ وهنتم عليه وأنتم أهل حقه؟ أم تقولون هان على الله دينه فلم يبال من ولى، والدين لم يتفرق أهله يومئذ؟ أم تقولون لم يكن أخذ عن مشورة وإنما كان مكابرة، فوكل الله الأمة إذ عصته ولم يشاروا في الإمارة؟ أم تقولون إن الله لا يعلم عاقبة أمري؟ وأنشدكم الله، هل تعلمون أن لي من سابقة خير وقدم خير قدم الله لي بحق على كل من جاء منكم بعدي أن يعرفوا لي فضلها، فمهلا، لا تقتلوني فإنه لا يحل إلا قتل ثلاثة: رجل زنى بعد إحصان، أو كفر بعد إيمان، أو قتل نفسا بغير حق، فإنكم إذا قتلتموني وضعتم السيف على رقابكم، ثم لا يرفع الله عنكم الاختلاف أبدا.»
فقال الثوار: أما ما ذكرت من استخارة الناس بعد عمر ثم ولوك فإن كل ما صنع الله خير، ولكن الله جعلك بلية ابتلى بها عباده، وأما ما ذكرت من قدمك وسابقتك مع رسول الله فقد كنت كذلك، وكنت أهلا للولاية، ولكن أحدثت ما علمت، ولا نترك إقامة الحق عليك خوف الفتنة عاما قابلا، وأما قولك إنه لا يحق إلا قتل ثلاثة، فإنا نجد في دين الله غير الثلاثة الذين سميت، قتل من سعى في الأرض فسادا، ثم قاتل على بغيه، وقتل من حال دون شيء من الحق ومنعه وقاتل دونه، وقد بغيت ومنعت وحلت دونه وكابرت عليه ولم تقد من نفسك، وقد تمسكت بالإمارة علينا، فإن زعمت أنك لم تكابر عليها فإن الذين قاموا دونك ومنعوك منا يقاتلون لتمسكك بالإمارة، فلو خلعت نفسك لانصرفوا عن القتال معك.
فلم يجبهم عثمان إلى ما طلبوا، وأخذ ينصحهم ويهددهم، فلم يجد التهديد ولا النصح، وظلوا مصرين على طلب خلعه نفسه فلم يقبل، وقدم كثير من أهل المدينة يطلبون إليه أن يذبوا عنه، فأمرهم بالانصراف وعدم مقاتلة الثوار، فلعل عقولهم تحول دون إحداث الفتنة في حرم الله، وكان يكثر الخطب في الثوار، ويرسل إليهم كبار الصحابة كالإمام علي، وطلحة، وعبد الله بن عباس وغيرهم يعدهم بإجابة مطالبهم، فيأبون إلا عنادا وفسادا، ثم عزموا أن يقطعوا عنه الماء والغذاء، فنهاهم الإمام علي بن أبي طالب عن ذلك فلم ينتهوا، وجاءته أم حبيبة بنت أبي سفيان بإداوة ماء فضربوا وجه بغلتها بالسيف ونفرت، وكادت أم المؤمنين أن تسقط عنها، ثم تراجعت، ولما اشتد العطش بأمير المؤمنين أشرف على الناس، فقال: أنشدكم الله، هل تعلمون أني اشتريت بئر رومة بمالي يستعذب بها، وجعلت رشائي كرجل من المسلمين؟ قالوا: نعم، قال: فلم تمنعوني أن أشرب الماء حتى أفطر على ماء البحر.
Shafi da ba'a sani ba