Zamanin Bunƙasa: Tarihin Al'ummar Larabawa (Sashi na Biyar)
عصر الازدهار: تاريخ الأمة العربية (الجزء الخامس)
Nau'ikan
تهاون بعض الخلفاء والأمراء الأمويين في النواحي الدينية والخلقية؛ وانغماسهم في بحور اللهو وأسباب الفسق والاستهانة بآل بيت الرسول
صلى الله عليه وسلم
وفتكهم بهم وتشريدهم.
وقد استطاع العباسيون ودعاتهم الأذكياء أن يستغلوا كل هذا الحنق في سبيل الوصول إلى هدفهم السياسي، واستطاعوا بدهائهم أن يخدعوا العلويين بأن دعوتهم إنما تهدف إلى إحقاق الحق وتسليم الأمر للرضا من «آل بيت محمد»، وكلمة «الرضا» كلمة غامضة ليست محددة، فاستطاع العباسيون ودعاتهم أن يخدعوا بها العلويين وشيعهم، ويسيروهم في دعوتهم إلى أن تم لهم الأمر، فتنكروا لهم وأعادوا سيرة الأمويين معهم، وأصل هذه الدعوة يرجع إلى عهد الفتنة الكبرى التي وقعت بين يزيد بن معاوية وعبد الله بن الزبير، فإنه لما مات يزيد وعظم أمر ابن الزبير في الحجاز ومصر والعراق وبايعه أشراف الناس ووجوههم، امتنع زعيما الهاشميين وهما محمد بن الحنفية وعبد الله بن العباس من مبايعته، فاضطهدهما وسجنهما، وعادت الفتنة من جديد، وكان ظهر آنئذ في الكوفة - التي كانت مقر الحركة العلوية - رجل ذو مطامع سياسية واسعة، هو المختار بن أبي عبيد الثقفي الملقب بكيسان، وأخذ يدعو لآل علي، فالتف حوله رؤساء الشيعة، واستطاع أن ينقذ محمد بن الحنفية من سجنه، ثم جمع جموعه لقتال ابن الزبير، فما كان من ابن الزبير إلا أن وجه إليه أخاه مصعبا، فاستطاع أن يفتك بالمختار ويقضي على دسائسه، ولكنه لم يستطع أن يقضي على حركته، فبقي بعض جذورها التي استطاعت أن تظهر فيما بعد بشكل آخر، أما ابن الحنفية فإنه تراجع منخذلا، ثم اضطر بعد أن قضى عبد الملك بن مروان على الحركة الزبيرية أن يبايعه، ولما مات ابن الحنفية اضطربت أفكار شيعته، فمنهم من قال بغيبته موقتا ورجعته، ومنهم من تبع ابنه أبا هاشم عبد الله بن محمد بن الحنفية متهجمين على بني أمية مبينين ظلمهم وفتكهم بآل النبي
صلى الله عليه وسلم
وإفسادهم أمر المسلمين وما إلى ذلك مما تقتضيه أساليب الدعوة، وكان في خراسان اثنا عشر نقيبا يعملون على هدم بني أمية وإقامة سلطان هاشمي، وكانوا على اتصال بالمركز في الكوفة، أما أبو هاشم عبد الله بن محمد فإنه اضطر أن يلجأ إلى بني عمه من آل العباس الذين كانوا يقيمون في «الحميمة» من أرض فلسطين جنوبي البحر الميت، وكان أكبر رجال آل العباس وقتئذ هو محمد بن علي بن عبد الله بن العباس، فأقام أبو هاشم فيهم، ويقال إنه قد تخلى لهم عن حقه في الخلافة لما أحس بدنو أجله على الشكل الذي سنفصله بعد.
قال ابن الطقطقي صاحب كتاب «الفخري»: «وكان أبو هاشم من رجال أهل البيت، فاتفق أنه قصد دمشق وافدا على هشام بن عبد الملك فأكرمه هشام ووصله، ثم رأى من فصاحته ورياسته وعلمه ما حسده عليه وخاف منه، فبعث إليه وقد رجع إلى المدينة من سمه في لبن، فلما علم بذلك عدل إلى محمد بن علي بن عبد الله بن العباس، وكان نازلا بالحميمة من أرض الشام، فأعلمه أنه ميت وأوصى إليه، وكان في صحبته جماعة من الشيعة، فسلمهم إليه وأوصاه بهم، ثم مات فتهوس محمد بن علي بالخلافة، منذ يومئذ وشرع في بث الدعاة سرا، وما زال الأمر على ذلك حتى مات ...» وموت محمد بن علي هذا كان في سنة 114ه، وقيل: بل في سنة 117ه، والدعاة الذين يشير إليهم ابن الطقطقي هم اثنا عشر داعيا أو نقيبا اختارهم محمد بن علي بن عبد الله بن عباس لينظموا دعوته سرا، وهم: سليمان بن كثير الخزاعي، ومالك بن الهيثم الخزاعي، وطلحة بن زريق الخزاعي، وعمرو بن أعين الخزاعي مولاهم، وعيسى بن أعين الخزاعي مولاهم، وقحطبة بن شبيب الطائي، ولاهز بن قريظ التميمي، وموسى بن كعب التميمي، والقاسم بن مشاجع التميمي، وخالد بن إبراهيم الشيباني، والشبل بن طهمان الحنفي مولاهم، وعمران بن إسماعيل المعيطي مولى أبي معيط. وقد جعل محمد بن علي للدعوة مركزين؛ «أحدهما» في الكوفة، وكانت صلته بالحميمة يتولى أمره ميسرة مولى علي بن عبد الله بن العباس، و«الثاني» في خراسان، وكان مرجعه الكوفة، ويتولى أمره الدعاة الاثنا عشر الذين سلفت أسماؤهم، وكان رئيسهم وصاحب الرأي فيهم سليمان بن كثير الخزاعي.
اختار محمد بن علي بن عبد الله سبعين رجلا ليكونوا مؤتمرين بأمر النقباء الاثني عشر، يعملون في الخفاء على نشر الدعوة العباسية، ويهدمون الدولة الأموية، ويحرصون على تنفيذ ما يقرره النقباء بعد التشاور والتعاون فيما بينهم، وظل هؤلاء يعملون جميعا سرا من أول القرن الثاني إلى سنة 127ه، كانوا يجوبون البلاد متظاهرين بالاتجار أو طلب العلم أو التطبيب أو السياحة، وهم ينشرون دعوتهم متهجمين على بني أمية، مبينين ظلمهم وفتكهم بآل النبي
صلى الله عليه وسلم
وإفسادهم أمر المسلمين، وما إلى ذلك مما تقتضيه أساليب الدعوة، وكان نقباء خراسان الاثنا عشر على اتصال بمركز الكوفة، والكوفة على اتصال بميسرة يخبرونه بكل شيء، وهو يخبر بدوره الحميمة. ومما تجدر الإشارة إليه أنه في سنة 105ه انضم إلى الدعوة رجل ذو خطر كبير هو بكير بن ماهان، وكان من وجوه الخراسانيين ودهاتهم، اتصل بمحمد بن علي فأحبه وآزره في دعوته، وقد لعب بكير دورا كبيرا في نشر الدعوة، وتزويدها بالمال وحسن تنظيماتها، ولما مات محمد بن علي سنة 114ه، وتولى الأمر من بعده ابنه إبراهيم بن محمد، فسار سيرة أبيه في تنظيم الدعوة، واستمر بكير في نشاطه إلى أن مات، فأقام إبراهيم بن محمد مكانه أبا سلمة حفص بن سليمان الخلال، وهو صهر بكير بن ماهان، وحدث آنئذ أن اتصل بإبراهيم شاب من موالي بكير، وكان من ذوي المقدرة والدهاء والسياسة، اسمه عبد الرحمن أبو مسلم الخراساني، وقد تفرس إبراهيم فيه الحزم والقوة فقربه منه واعتمد عليه، ثم وجهه إلى خراسان وأمره أن يعلن الدعوة بعد أن كانت سرية، وأن يشرع بالعمل فورا، وكتب إلى النقباء والشيعة العباسية والعلوية أنه قد أمره عليهم وأعطاه رسالة، وهذا بعض ما جاء فيها: «... يا عبد الرحمن، إنك رجل من أهل البيت، فاحفظ وصيتي وانظر هذا الحي من اليمن، فأكرمهم وحل بين أظهرهم، فإن الله لا يتمم هذا الأمر إلا بهم، وانظر هذا الحي من ربيعة فاهتم في أمرهم ، وانظر هذا الحي من مضر فإنهم العدو القريب الدار، فاقتل من شككت فيه، ومن كان في أمره شبهة، ومن وقع في نفسك منه شيء، وإن استطعت أن لا تدع بخراسان لسانا عربيا فافعل، فأيما غلام بلغ خمسة أشبار تتهمه فاقتله، ولا تخالف هذا الشيخ (يعني سليمان بن كثير) ولا تعصه، وإن أشكل عليك أمر فاكتف به مني ...» وهكذا سار أبو مسلم في دعوته وهو مزود بهذه الوصية التي لا أرى مجالا للشك في صحة نسبتها إلى إبراهيم، كما يذهب إليه بعض مؤرخي العصر؛ لما فيها من طعن صريح في العرب؛ لأن إبراهيم كان يريد الوصول إلى هدفه بأي ثمن، والسياسة عادة لا تعرف مذهبا ولا تتعصب إلا لهدفها.
Shafi da ba'a sani ba