Zamanin Bunƙasa: Tarihin Al'ummar Larabawa (Sashi na Biyar)
عصر الازدهار: تاريخ الأمة العربية (الجزء الخامس)
Nau'ikan
وقد كان لبرمك هذا غلام نابغة لمع اسمه في صدر الدولة العباسية اسمه خالد، فقد اتصل بمحمد بن علي بن عبد الله بن عباس، ثم اتصل بإبراهيم الإمام، وقد روى مؤرخو الدعوة العباسية الأولون أنه كان من رجال الدعوة الأول، وأنه كان يتولى تقسيم الغنائم في عسكر قحطبة، وإليه عهد بتنظيم الخراج في خراسان، كما يذكر الجهشياري ذلك في «ص87».
ولما بويع أبو العباس بالخلافة عهد إليه بديوان الخراج وديوان الجند بعدما قتل أبو سلمة، ثم ولاه أبو العباس وزارته وإن لم يطلق عليه اسم وزير، ثم لما تولى الخلافة المنصور صار خالد ركنا من أركان دولته، وعهد إليه بديوان الخراج كما ولاه عدة ولايات كفارس وطبرستان والري ودنباوند لتنظيم أمورها وترتيب مواردها.
ولما مات المنصور وولي المهدي ظلت مكانة خالد رفيعة في الدولة، وعهد إليه الخليفة الجديد بإمارة فارس، ولكن ما عتم أن غضب عليه الخليفة فشفعت له الخيزران، وأعيد إلى منصبه، وأخذت صلته بالعباسيين تقوى منذ ذلك؛ فقد كانت الخيزران ترعاه طول عمره إلى أن مات في سنة 165ه/781م.
هذه لمحات سريعة عن حياة خالد بن برمك، وقد كان خالد كما يذكر الفخري من رجال الدولة العباسية، فاضلا جليلا حازما كريما يقظا، وكان له غلام أحسن تربيته وإعداده لممارسة شئون الدولة واسمه يحيى، فنشأ مهذبا فاضلا كاتبا بليغا لبيبا أديبا سديدا جوادا، وقد عهد إليه المهدي بالكتابة لابنه الرشيد في إمارته، ولما أراد الهادي خلع الرشيد من ولاية العهد لعب يحيى دورا هاما في تثبيت الرشيد في ولاية العهد - كما أسلفنا - فحفظها له، ولما بويع الرشيد بالخلافة ولاه وزارته وعهد إليه بخاتمه، وأعانه في أعماله أولاده الأربعة وفي طليعتهم «الفضل» و«جعفر»، وكان الفضل أخا الرشيد رضاعا، وكان جعفر أقرب من قلب الرشيد؛ لسهولة أخلاقه وشدة أخلاق الفضل.
وللبرامكة فضل كبير في تثبيت دعائم الدولة العباسية سياسيا واقتصاديا وتعاونيا، وإلى الفضل يرجع الفضل في احتفار كثير من أنهار العراق، وبناء كثير من دوره ومؤسساته العامة، أما جعفر فكان عالما كاتبا أديبا، وإليه يرجع الفضل في تقريب أهل العلم والأدب من الدواوين.
وقد حكم البرامكة الإمبراطورية الإسلامية منذ سنة 170ه/سنة 786م حكما مطلقا يتصرفون فيها بما يشاءون، والرشيد مطلق لهم العنان، وخصوصا قبل وفاة الخيزران سنة 173ه، حتى إذا ضاق بهم فعل فعلته وفتك بهم.
ويختلف المؤرخون في سبب الفتكة حتى قال الطبري (10: 79): أما سبب غضبه عليه؛ أي على «جعفر» الذي قتله عنده فإنه مختلف فيه؛ فمنهم يزعم أن الرشيد ضاق بتصرفاتهم ذرعا، وأنه كان يرى استبدادهم بالأمر دونه فتثور نفسه غيظا، وكلما كان يريد إقصاءهم تحول أمه الخيزران دون ذلك، وقد تجلى هذا في أن الرشيد أخذ الخاتم يوم وفاتها من يحيى وسلمه إلى عدوه الفضل بن الربيع وقال له: «وحق المهدي إني لأهم من الليل بالشيء من التولية وغيرها فتمنعني أمي فأطيع أمرها.»
15
ومنهم من قال: إن السبب هو قصة العباسة أخت الرشيد التي تجرأ جعفر البرمكي وطلب يدها، وقد راجت هذه بين العامة حتى ألفت فيها الروايات، كما فعل الإتليدي صاحب «أعلام الناس» وجرجي زيدان صاحب «العباسة أخت الرشيد» وأنطون رباط صاحب «الرشيد والبرامكة» وعزيز أباظة في «مسرحيته»، ولا نريد الإطالة فيها بعد أن نفاها مؤرخ ثقة كالجهشياري حين قال في معرض كلامه عن نكبة البرامكة: «إن عبيد الله بن يحيى بن خاقان سأل مسرورا الكبير خادم الرشيد في خلافة المتوكل عن سبب إيقاع الرشيد بالبرامك، فأجاب مسرور: كأنك تريد ما تقوله العامة فيما كان من أمر المرأة، لا والله ما لشيء من هذا أصل.» وقد نقض الفكرة من أساسها المؤرخ ابن خلدون.
ومنهم من يقول: إن سبب ذلك هو أن الرشيد كلف جعفرا بقتل علوي فتحرج جعفر وأطلقه من سجنه، فلما علم الرشيد سأله فقال: نعم أطلقته؛ لأنه لا ذنب له، فأسرها له حتى فتك به وبآله.
Shafi da ba'a sani ba