Zamanin Haɗaka: Tarihin Al'ummar Larabawa (Sashe na Hudu)
عصر الاتساق: تاريخ الأمة العربية (الجزء الرابع)
Nau'ikan
جور عمال الأمويين على الناس، فإن الحجاج وأعماله، وزيادا وفظائعه، وعبيد الله بن زياد وظلمه، ومسلم بن عقيل المري وفظاعاته، وغيرهم من العمال الأمويين كانوا السبب الأول في نفرة الناس من هؤلاء القوم، وتمني زوال سلطانهم، والاستراحة منهم، ثم قسوة العمال في جبي الخراج وأخذ الجزية، وفرض الضرائب غير المشروعة، مما جعل الناس يدخلون في الإسلام؛ لترفع عنهم الجزية فلا ترفع، ويطلبون إلى الخليفة وعماله أن يخفف من أخذ الضرائب غير الشرعية فلا يسمع لهم قول، وعومل الفلاحون بالقسوة فخربت الديار، وجلا عنها أهلها، وقل الخرج فخرب بيت المال واضطربت أحوال الجند، وعم الفساد وأخذت الدولة تنهار وتنهار. (3)
كان كثير من وزراء الدولة ورجال إدارتها وعمالها وقضاتها ظالمين مستبدين، يرهقون الشعب ويطالبونه بدفع المال والخضوع والطاعة العمياء، أمثال: عبيد الله وأبيه زياد، والحجاج، وعتبة بن أبي سفيان، ويزيد بن الحر العبسي، ومحمد بن القاسم الثقفي وغيرهم كثير. (4)
استتار الأخبار عن الخلفاء؛ فقد كان أعداء الأمويين يعملون في الخفاء منذ أن قتل الحسين، وغلب الفرس والموالي على أمرهم، والخلفاء ساهون لاهون إلا نادرا، والعمال منكبون على جمع المال، وإهمال شئون الإدارة، وفساد البريد، وإضاعة الفرص، وهناك أسباب أخرى يجب أن تضاف إلى هذه النقاط، وهي: (5)
جعل ولاية العهد لأكثر من شخص واحد. ولا شك في أن هذا يدع مجالا كبيرا للتنافس بين الاثنين، ويبذر الشقاق بينهما، ولم يكن هذا الشقاق مقصورا على وليي العهد نفسيهما، بل تعداهما إلى الأسرة الحاكمة والقادة والعمال، وكبار رجال الدولة؛ فإن لكل من الشخصين أنصارا، يعطفون عليه ويريدون إيصاله إلى دست الحكم؛ ليفيدوا هم من وراء ذلك. والحق أن عملية مروان في إسناده ولاية العهد إلى ولديه عبد الملك ثم عبد العزيز قد كانت سنة قبيحة، وكأنه لم ير ما حل بالمسلمين بعد مؤتمر الجابية الذي بويع فيه لأبيه مروان، ثم لخالد بن يزيد، وعمرو بن سعيد، ولكنه خلعهما، عقب ذلك خروج عمرو بن سعيد وإثارته البلاد عليه، إلى أن قضى على ثورته. وقد سار عبد الملك على سنة أبيه مروان، فقد أراد أن يخلع أخاه عبد العزيز، ويولي ابنه الوليد ثم سليمان، ولكن وفاته حالت دون ذلك، ولما ولي الوليد بن عبد الملك خلع أخاه وجعلها لابنه عبد العزيز، فوقعت الفتنة بين الأخوين، ولما ولي سليمان الخلافة انتقم ممن وافقوا أخاه على خلعه من الأمراء والعمال أمثال: قتيبة بن مسلم، ومحمد بن القاسم، والحجاج بن يوسف، ونتج عن ذلك بلاء كبير، ضعضع أركان الدولة. (6)
انشقاق البيت الأموي على نفسه بعد أن تضعضعت أركان الدولة، وأول من فعل ذلك يزيد بن الوليد على ابن عمه الوليد بن يزيد، وقد تطور هذا الانشقاق إلى عداوة متأصلة، جعلت أفراد البيت الواحد يعملون على تهديمه، ويفتكون بإخوانهم وأبناء عمومتهم، ويمثلون بهم شر تمثيل، ولم يتورعوا عن كل قول أو عمل، فهذا يزيد بن الوليد يتهم ابن عمه بكل عظيمة في الدين والدنيا، ولما تم له الأمر وأراد أن يعيد للخلافة سلطانها ثار عليه مروان بن محمد، وأخذ يحرك الغمر بن يزيد أخا خالد بن يزيد، ويطالبه بالثورة على الخليفة وبدم أخيه، وهو لا يبغي من وراء ذلك إلا الاستيلاء على الأمر وإيقاع الفتنة. انظر إلى كتابه الذي بعث به إلى الغمر يقول له فيه: «أما بعد، فإن هذه الخلافة من الله على مناهج رسله، وإقامة شرائع دينه، أكرمهم الله بما قلدهم، يعزهم ويعز من يعزهم، والحين على من ناوأهم، فابتغى غير سبيلهم، وكان أهل الشام أحسن خلقه فيه طاعة، وأذبه عن حرمه، وأوفاه بعهده، وأشده نكاية في مارق مخالف ناكث ناكب عن الحق، فاستدرت نعمة الله عليهم، وقد عمر بهم الإسلام، وكبت بهم الشرك وأهله، وقد نكثوا أمر الله، وحاولوا نكث العهود، وقام بذلك من أشعل ضرامها، وإن كان القلوب عنه نافرة، والمطلوبون بدم الخليفة ولاته من بني أمية، فإن دمه غير ضائع، وإن سكنت بهم الفتنة، والتأمت الأمور، فأمر الله لا مرد له، وقد كتبت بحالك فيما أبرموا، وما ترى؛ فإني مطرق إلى أن أرى غرا فأسطو بانتقام، وأنتقم لدين الله المبتول، وفرائضه المتروكة مجانة، ومعي قوم أسكن الله طاعتي قلوبهم، أهل إقدام إلى ما قدمت به عليهم، ولهم نظراء، صدورهم مترعة ممتلئة لو يجدون منزعا ... ولم أشبه محمدا ولا مروان، غير أن رأيت أن أشمر للقدرية إزاري، وأضربهم بسيفي جارحا وطاعنا، يرمي قضاء الله في ذلك حيث أخذ، أو يرمي في عقوبة الله حيث بلغ منهم فيها رضاه، وما إصرافي إلا لما أنتظر مما يأتيني منك، فلا تدعن ثارك بأخيك، فإن الله جارك وكافيك، وكفى بالله طالبا ونصيرا.» وقد استطاع مروان أن يثير الناس على الخلافة ويتوصل هو إليها. (7)
فشو روح العصبية القبلية بين القبائل العربية الحاملة لواء الدولة الأموية، وقد ظهرت هذه الروح بعد موت يزيد بن معاوية بشكل واضح، ولكن الحزب الأموي كان قويا ، فلم تستطع هذه العصبية أن تضعضع أركان الدولة، وكان الخلفاء الذين خلفوا يزيد إلى عهد عمر بن عبد العزيز أقوياء أشداء، يستطيعون أن يقفوا أمام كل عاصفة. أما بعد عمر فقد تبدلت الحال وضعفت الدولة، وبرزت روح العصبية جلية بين المضرية واليمانية أو عرب الشمال وعرب الجنوب، ولما كان الخليفة من عرب الشمال كان يتحيز لهم، فتطورت الأمور تطورا قبيحا.
وإن من أبرز الفتن بين الجانبين فتنة يزيد بن المهلب بن أبي صفرة، وقد رأينا أن عمر بن عبد العزيز كان سجنه إطفاء لشعلة الفتنة، ولكنه استطاع أن يفر من سجنه بحلب ويقصد البصرة، وخاف عمر يزيد وكان يكره ابن المهلب؛ لأنه تولى تعذيب آل الحجاج أصهار يزيد؛ إذ كان متزوجا أم الحجاج ابنة محمد بن يوسف الثقفي، فخاف ابن المهلب على نفسه وآله، وأعلنها ثورة كبرى لليمانية على المضرية، وعظم سلطان ابن المهلب وكثر عدد جيشه، وجرت بينه وبين جيش الخليفة معارك قطعت أوصال العرب، وأعادت روح العصبية جذعة، وفتكت بنخبة من زهرات بيوتاتهم العريقة كآل المهلب الذين لهم سابقة في نصر الإسلام ونشر العربية والفتوح، وغيرهم من البيوتات اليمنية التي حقدت على المضريين، وأخذت تعمل على تهديم ملكهم، على الرغم من أن بعض الخلفاء كهشام بن عبد الملك.
2
انضموا إلى اليمانية على المضرية، وكان لتدخل الخلفاء وتحيزهم آثاره السيئة سواء كانوا مع هؤلاء أو مع أولئك، وقد انتقلت عداوات الجانبين معهما إلى الأمصار التي فتحوها كخراسان ومرو وما وراء النهر والأندلس، فلقيت هذه البلاد من الجانبين ويلات وآثاما، كما لقي الأمويون أنفسهم منذ عهد الوليد بن يزيد إلى انقضاء دولتهم كثيرا من المشاكل والفتن، ولعل قول الحارث بن عبد الله الحشرج الجعدي، يصور لنا أحسن تصوير تلك الفتن حين يقول:
أبيت أرعى النجوم مرتفقا
Shafi da ba'a sani ba