Zamanin Inhirar: Tarihin Al'ummar Larabawa (Sashe na Shida)
عصر الانحلال: تاريخ الأمة العربية (الجزء السادس)
Nau'ikan
الواقع أن التعمق في دراسة التاريخ العباسي في هذه الفترة ما بين سنة 232 و320ه له شأن كبير في تفهم تاريخ هذه الدولة بصورة خاصة، وتفهم التاريخ الإسلامي بصورة عامة؛ فإن الهزات التي حلت بالعالم الإسلامي في ذلك القرن كانت هزات عميقة الأثر، قوية النتائج، وما يزال العرب والمسلمون حتى الآن يتحملون نتائج تلك الهزات، وإن الأحداث السياسية والاجتماعية والدينية والعقائدية التي وقعت في هذه الفترة هي أحداث خطيرة، غيرت كثيرا من مجرى التاريخ الإسلامي وطورته بشكل خاص، ويتجلى لنا ذلك في النقاط الخمس الآتية: (1)
إن استكثار الخلفاء من العنصر التركي في الدولة، قد كان عاملا أساسيا في زعزعة أركانها، وقلقلة دست الخلافة، وقد كان عمل الواثق بالله، الذي استكثرهم وقربهم وسلطهم، عملا أحمق، كان من نتائجه تسلط هذا العنصر الهدام الغريب على مرافق الدولة والتطويح بالمبادئ السامية التي قامت الدعوة العباسية من أجلها، من سياسية، وإدارية، وثقافية، ودينية. (2)
برز في هذا العصر عنصر جديد، كان له أثر كبير في تهديم أركان الدولة، ألا وهو عنصر النساء الجاهلات، من أمهات الخلفاء وقهرماناتهم، وجواري قصورهم، أمثال: أم المستعين، وأم المعتز، وأم المقتدر، وقهرمانته «ثمل» وغيرهن من النساء الغريبات عن البيئة العربية، واللواتي ما كان يهمهن سوى أغراضهن الخاصة وحب السلطان والحكم والمال. (3)
كان من نتائج هذا الضعف في الإدارة والاستكثار من الأتراك وسيطرة النساء والانحلال في مقر الخلافة أن قويت مطامع الطامعين في الأمصار والأقاليم النائية والقريبة، واشتدت رغبات الطامحين إلى الحكم والاستقلال ببلادهم، وفصلها عن جسم الدولة العباسية، وقوي تذمر المتذمرين فانسلخ عن جسم الدولة كثير من الأقاليم، كانسلاخ اليمن على يد يعفر بن عبد الرحيم، وانسلاخ سجستان على يد الأسرة الصفارية، واستقلال خراسان وما وراء النهر بزعامة الطاهريين والسامانيين، وانفصال مصر أيام بني طولون والإخشيد، وتقلص الموصل وشمالي الشام وديار بكر وما إليها بزعامة بني حمدان، أو كسيطرة نفر على مركز الخلافة نفسه، كما فعل فيما بعد البويهيون والسلاجقة ثم المغول. (4)
رأى العلويون على اختلاف فرقهم من جعفرية، وزيدية، وإسماعيلية، ضعف الدولة، فقاموا يطالبون بحقهم السليب بقوة وعلنية، وكان من نتائج ذلك أن قام الإمام الحسن بن زيد الأطروش بحركته الزيدية في جرجان وطبرستان، تلك الحركة التي قوي نشاطها حتى امتدت إلى بغداد، وقام صاحب الزنج بحركته في البصرة وما إليها، وثار الإسماعيلية والقرامطة على مغتصبي حقوقهم، وكان من أمرهم ما هو معروف. (5)
حين قوي الانقسام بين القادة من الأجناد الأتراك، وضعف أمرهم بعض الشيء وأراد الخلفاء إيجاد عنصر قوي في مجال السياسة، برز عنصر جديد هو عنصر الكتاب والوزراء، وقد كان لهذا العنصر القوي من رجال العلم أثر واضح في إدارة البلاد، أمثال بني خاقان، وبني الفرات، وبني وهب، وبني مقلة، وبني مخلد، وقد كان هؤلاء الكتاب الوزراء يختصمون فيما بينهم، ففسدت أمور الدولة من جديد فسادا لا يقل عن فسادها بالقادة الأتراك؛ لأن طمعهم بجمع الأموال والسيطرة على مرافق الدولة قد أفسد الأمر، وسار بالدولة نحو الخراب والإفلاس.
هذه هي بعض مظاهر الضعف الخطيرة التي حلت بالدولة العباسية في الفترة التي نؤرخها، وهي كما نرى مظاهر ذات أثر واضح في السير بالدولة في طريق الانحلال فالانهيار، ولو لم يسبغ العباسيون على خلافتهم ذلك الثوب الإلهي والرداء الديني المحمدي لاضمحل أمرها سريعا، ولم تستطع البقاء ولو بذلك المظهر الصوري إلى أن قضى عليها هولاكو.
الفصل الثالث
مجالي الانحلال في جسم الدولة
لم تتبدل أكثر الأوضاع العامة من إدارية واجتماعية وفكرية وسياسية في هذا العصر، عما كانت عليه في العصر العباسي الأول تبدلا ذا معالم بارزة، ولكن هناك مجالي جديدة ظهرت في تلك الحقبة، ولا بد لنا من وقفة أمام بعض الأوضاع التي تبدلت لتبين حقيقة ما كانت عليه وما طرأ عليها من تطور، أو ما حدث ولم يكن من قبل، وإن من أبرز ما يلحظ المرء في هذه الفترة من مجالي انحلال الدولة وتبدلها عما كانت عليه، يمكن إجماله في النقاط السبع الآتية: (1) ضعة شأن الخلافة وانحطاط مركز الخليفة انحطاطا ملموسا
Shafi da ba'a sani ba