Zamanin Inhirar: Tarihin Al'ummar Larabawa (Sashe na Shida)
عصر الانحلال: تاريخ الأمة العربية (الجزء السادس)
Nau'ikan
تحدثنا في الباب الخاص بالمسكن في الكتاب الأول عن شيء من البيت العربي وطرزه وأوضاعه، ونضيف ها هنا أن حفائر مدينة سامراء قد كشفت لنا، كما يحدثنا الأستاذان الأثريان «ساره»، و«هرتسفيلد» عن طريقة بناء المسكن العربي في القرن الثالث حيث يقول: «كانت الدور بسامراء تبنى على مثال واحد يصل بينها وبين الشارع أو الدرب دهليز مسقوف يفضي إلى صحن واسع قائم الزوايا، يبلغ عرضه ثلثي طوله في العادة، ويتصل له من جانب العرض القاعة الكبرى وصورتها هكذا ( ) وفي أركانها غرف صغيرة، ويحيط بالصحن أيضا غرف متجاورات مربعة للسكنى والحدائق المنزلية، وفي معظم الدور أقنية صغرى ثانوية، تشتمل على أماكن للمرافق المنزلية أيضا، ولا تخلو الدور قط من حمامات ومجار تحت الأرض، وكثيرا ما يكون فيها آبار وتشتمل أحيانا على صحون ذات طارمات وعلى سراديب للسكنى مهيأة بوسائل التهوية، والدور كلها من طابق واحد، وإذا كانت الأرض المحيطة بها غير مستوية اتخذ منها أصحاب الدور مسطحات مرتفعة بمهارة، وقد تبلغ الغرف في الدار الواحدة «60» غرفة، وبها شبابيك تقفل بألواح من الزجاج المتنوع الألوان، ويتراوح عرض اللوح بين «20» و«50» سنتمترا، وهكذا كانت قصور الخلافة إلا أنها أوسع وأضخم وأفخم.» ويقول الإصطخري (ص83) نقلا عن رجل زار دار الخلافة عامرها وغامرها حوالي أواخر القرن الرابع، فقال: «إنها مثل مدينة شيراز، وكانت زخارف هذه القصور فائقة حد الوصف من رياض وأشجار زينة وأزهار وفرش وتحف، ومن أروع هذه التحف ما كان في قصر المقتدر من تحف أجلها الشجرة الفضية التي كان وزنها خمسمائة ألف درهم، وهي تقوم وسط بركة مدورة صافية الماء، وللشجرة ثمانية عشر غصنا، لكل غصن شاحنات كثيرة عليها الطيور والعصافير من كل نوع مذهبة ومفضضة، وأكثر قضبان الشجرة فضة وبعضها مذهب وهي تتمايل في أوقات لها، وللشجرة ورق مختلف الألوان يتحرك كما تحرك الريح ورق الشجر، وكل من هذه الطيور يصفر ويهدر، وقد أدخل الخليفة رسل الروم إلى هذه الدار، فكان تعجبهم منها أكثر من تعجبهم من جميع ما شاهدوه.»
11 (4) الطعام والشراب
ذكرنا شيئا من هذا في الفصل الخاص به في الكتاب الأول، ونضيف هنا أن الترف والرفاهية، قد ازدادت على سفر الأغنياء، وجعلوا لذلك آدابا وتقاليد؛ فقد روى الثعالبي عن أبي رياش أنه كان آية في حفظ أيام العرب وأنسابها وأشعارها، ولكنه كان وسخ اللبسة قليل التنظيف، شرها على الطعام، سيئ المؤاكلة، دعاه والي البصرة أبو يوسف اليزيدي إلى مائدته يوما، فلما أخذ في الأكل مد يده إلى بضعة لحم فانتهشها ثم ردها إلى القصعة، فكان بعد ذلك إذا حضر مائدته أمر أن يهيأ له طبق ليأكل عليه على حدة.»
12
ولا شك في أن هذه الآداب والتقاليد الطعامية، قد دخلت بيوت الأعيان والطبقة البرجوازية، كما أن الغاية بتنويع الطعام قد بلغت أوجها في ذاك العصر؛ فقد روي أن ابن مسكويه خازن كتب عضد الدولة البويهي ألف كتابا في تركيب الباجات من الأطعمة، وأنه أحكمه غاية الأحكام وأتى فيه من أصول علم الطبخ بكل غريب حسن،
13
أما الحلوى فقد تفننوا فيها تفننا لا من حسن الطعم بل من حسن الشكل والصورة؛ ففي ديوان المتنبي (ص18) مقطوعة لطيفة قالها في شكر رجل أهدى إليه سمكا مصنوعا من السكر واللوز مطبوخا بالعسل. وكما أننا نجد في هذا العصر آدابا وتقاليد، كان أهل الظرف والترف يتقيدون بها، وقد أحصاها الوشاء في كتابه الطريف «الموشى»، وفيه فصل لنا آداب مجالس الشراب وآداب موائد الطعام، كما يحدثنا أنهم كانوا يكرهون أنواعا من الأطعمة، ويبتعدون عن طعامها مثل الهندباء والفجل والحرف لنتنها، والكراث والبصل لرائحتها، والثوم والبصل لمغبة أكلها، كما أنهم كانوا يمتنعون عن أكل الزيتون والتمر والمشمش والنبق والصاب والخوخ والأجاص وغيرها مما له نوى لما في إخراج نواه أمام الحاضرين من نقص في المروءة، وأنهم كانوا لا يأكلون السمسم المقلي والزبيب الأسود؛ لأنهم يشبهونه بالبعر، ولا الباقلي والبلوط والخرنوب الشامي وغير ذلك مما يرون في أكله على مجالس الشراب نقصا في آداب الشراب، وإنما كانوا يأكلون مع الشراب مملوح البندق ومقشر الفستق وتفاح الشام وسفرجل بلخ وقصب السكر المغسول بماء الورد، ويطيبون مجالسه بالعود الهندي والطين الخراساني، والملح الصنعاني.
14
ولا شك في أن هذا كان نوعا من الرفاهية والترف لم تصل إليه مجالس اللهو والشراب في أرقى عصورها في أوروبا. (5) مستوى المعيشة
لا نعرف شيئا حقيقيا عن مستوى المعيشة في هذا العصر، وعن أحوال الطبقات فيه، غير أنه لا شك في أن الناس يمكن تقسيمها إلى خمس طبقات : (1)
Shafi da ba'a sani ba